تسعة عشر مجرماً عادت ذاكرتهم الى صحراء الحجاز فنجحوا بقتل اكثر من ثلاثة الاف مواطن برئ لم يحملوا في قلبوهم وعقلوهم ذلك اليوم سوى صوراً لعائلأتهم واطفالهم، وبعض ساعات العمل الثقيلة التي يرجون انتهاءها ليعودوا الى منازلهم وينعموا بقسط من الراحة.
ذاكرة الجبن والخسة هي ما تذكره هؤلاء في تلك اللحظات، رحلوا حيث رؤوا اسرى بني قريظة وهم تقطع رؤوسهم بحسب الاوامر المقدسة القادمة من ثعلب الصحراء.
من خلال أفعالهم الشنيعة، أثارت هذه الكائنات الدنيئة حواسًا متعددة – رائحة الموت، وأصوات الرعب، ومنظر الدمار. لقد كانوا مثيرين للاهتمام ومعقدين، بأكثر الطرق الممكنة إثارة للقلق، وكانوا مدفوعين بأيديولوجية ملتوية غذت أعمالهم الهمجية.
ولكن قبل كل شيء، أثاروا مشاعر قوية – الخوف والغضب والاشمئزاز. وبينما يستمر إرثهم في العار، سيتم تذكر شخصيتهم إلى الأبد بصوت غني بالشر، وهو تذكير مخيف بأعماق الفساد البشري.
المعركة لم تنته بعد، وتلك لم تكن الا جولة صغيرة في أُتون هذه الحرب، ولكن اي حرب؟
لن تنتهي حربنا معهم حتى نستطيع ان نُقلِّمَ اظافر ايديلوجيتهم. فالحرب ليست في شوارع الموصل والرقة او في شوارع مكة فقط. الحرب هناك في ذكريات الصحراء بخرافتها المقدسة.
تلك الاظافر لن يقدر عليها غير تيّار علماني شرق اوسطي يستطيع ان يقتلع آثام الصحراء تلك، وينفض غبارها عن ثياب حضارات غيّبها ذلك العقال لقرونٍ طويلة.
وكأن الأفق يحترق بلهيب الحقائق التي لا يمكن إخفاؤها بعد الآن، تلك الحقائق التي ترتفع فوق الدخان المتصاعد من رمال الصحراء، تحمل في طياتها قصصًا من الألم والخرافة. نعم، المعركة لم تنته بعد، وما حدث لم يكن سوى جولة صغيرة في أتون حرب عظيمة، حربٌ ليست بالسيوف والدروع، بل بالأفكار والمعتقدات.
لن تنتهي حربنا معهم حتى نقوم بتقليم أظافر أيديولوجيتهم التي خدشت وجه الحضارة وتركت آثارها على معالم التاريخ، وهذه الحرب لا تدور رحاها في شوارع الموصل والرقة فقط، بل تمتد جذورها في عمق ذكريات الصحراء، حيث تختبئ الخرافات المقدسة والأساطير التي تغذي الفكر الظلامي.
تلك الأظافر، المتجذرة في عمق العقل الجمعي، لن يستطيع تقليمها إلا تيار علماني شرق أوسطي جريء ومتحرر، تيار يستطيع أن يقتلع جذور أساطير الصحراء، وينفض غبار الخرافات عن ثياب الحضارات التي طالما عانت من الإهمال والنسيان بسبب ذلك العقال الذي أثقل كاهلها لقرون.
إنه الوقت لكي ننهض من رماد الماضي، مسلحين بسلاح العقل والمنطق، لنعلنها حربًا لا هوادة فيها على الفكر الرجعي الذي يسعى لإعادتنا إلى ظلمات الجهل والتعصب. حربنا ليست ضد الأشخاص بل ضد أيديولوجيات تسعى لسرقة مستقبلنا وتكبيل أجيالنا القادمة بأغلال الماضي.
من رحم المعاناة والحاجة الصارخة، من بين زوايا الألم والإحباط، يولد الأمل المتجدد والعزيمة الراسخة. العزيمة لإشعال فتيل التغيير وبناء تيار علماني جديد، تيار لا يأتي من الفراغ بل من تجربة الفشل والسعي المستمر نحو النجاح. لقد أظهر التاريخ أن الاتجاهات العلمانية السابقة، وكل من ادعى الانتماء إلى التنويريين أو غيرهم من المسميات التي تعددت تحت شتى العناوين، قد واجهوا الفشل ليس لعدم صدق نواياهم، ولكن لعجزهم عن خلق تيار جماهيري مؤثر، اكتفاءً بالنقاشات النخبوية داخل صالونات عصر النهضة.
الآن، يجب على الجميع أن يفهموا أن ذلك العصر قد ولى، وأننا في مؤسسة علمانيي العقل الحر قد قررنا أن نتخطى تلك المرحلة، أن ننزل إلى الميدان بكل ما أوتينا من قوة وعزم، لنطوي صفحة النقاشات الباردة ونفتح صفحة جديدة مليئة بالعمل الجاد والمثمر. نحن مصممون على تجميع أيادي الشجعان، لنكون قلبًا وعقلًا واحدًا، متحدين نحو هدف واحد: بناء مجتمع علماني حقيقي، يؤسس لدول حديثة تقوم على أسس علمانية متكاملة.
هذا هو دورنا، هذه هي رسالتنا في “Free Mind Seculars”. نحن لا ندعي الكمال، ولا نغفل عن التحديات الجسيمة التي تواجهنا، لكننا نعتقد بشدة في قوة العقل الحر، وفي إمكانية تغيير واقعنا نحو الأفضل. لن نتوانى عن التحدي، ولن نخشى المواجهة، فالطريق أمامنا واضح، والهدف يستحق كل جهد ممكن.
إننا ندعو كل من يؤمن بالحرية، بالعدالة، وبقيم العقلانية، أن ينضم إلينا في هذا المسعى النبيل. ليست هذه مجرد دعوة للانضمام إلى تنظيم أو حركة، بل هي دعوة للانخراط في مشروع حضاري شامل، مشروع يهدف إلى إحياء العقل الحر وتحريره من قيود الماضي الثقيلة.
نحن على يقين بأن التغيير ممكن، وأن الأحلام الكبيرة تبدأ بخطوات صغيرة، ولكنها ثابتة ومؤثرة. دعونا نكون تلك القوة التي تدفع بالعالم نحو الأفضل، لن ننتظر الفرصة بل سنصنعها بأيدينا، لنجعل من العلمانية ليست مجرد فكرة، بل واقعًا نعيشه كل يوم.
لن نبق في جلباب اباءنا مهما كان هذا الجلباب فضفاضاً وجميلاً وزاهياً. هذه المرحلة تستوجب وجود العقل الحر وتستوجب وجودنا على الارض وعلى ساحات العمل الاجتماعي.
سنبقى نجلُ ونحترمُ اباءنا ولكن لن نسير على خطاهم التقليدية التي ضيعت جهود عقول جبارة كفودة والوردي وغيرهم.
ذكريات الصحراء تلك لن ينجح معها صالونات عصر النهضة، وسينجح معها جهود العقول الحرة بعملٍ مؤسسي منظم في عموم الشرق الاوسط وشمال افريقيا، حيث العمل بشعار واحد وهو نحو بلدان علمانية حديثة
نعم يا سادة العلمانية هي التي ستقلّم اظافر ذلك الثعلب الماكر القادم من الصحراء. ونحن من سيقوم بذلك.
إن إعلاننا جريء ولا لبس فيه: إن بقايا الماضي، مهما بدت ساحرة ومريحة، لا يمكن أن تقيدنا. إننا على أعتاب فجر جديد، فجر يدعونا إلى المضي قدما في رؤيتنا لمجتمع متحرر من أغلال العقيدة ومتجذر في مبادئ العقل والعلمانية.
نحن ندرك أن التبجيل لا يعني الالتزام غير المدروس بممارسات وأساليب عفا عليها الزمن. إن العمالقة الذين نقف على أكتافهم – المفكرون، والمصلحون، وأصحاب الرؤى الذين تجرأوا على تحدي الوضع الراهن – هم الذين وضعوا الأساس. والآن حان دورنا لحمل الشعلة، لإضاءة الطريق إلى الأمام بنور العقل والتقدم.
حكايات الصحراء الغارقة في رمال الزمن لا يمكنها أن تحدد مستقبلنا. لقد أفسح عصر صالونات عصر النهضة، حيث تم تبادل الأفكار بين النخبة، المجال لعصر أصبحت فيه الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات. إن التزامنا هو إحداث تغيير ملموس، وإظهار مُثُل العلمانية في نسيج مجتمعاتنا، والتأكد من أنها ليست مجرد مُثُل سامية بل حقائق معيشية.
إن العلمانية تقف كحصن ضد زحف ظلام التطرف والتعصب. إنها القوة التي ستعمل على تفكيك أسس الأيديولوجيات القمعية، مما يمهد الطريق لمجتمع لا تتم فيه حماية حرية الفكر والمعتقد فحسب، بل يتم الاحتفاء بها أيضًا.
هذا هو تعهدنا، ومهمتنا هنا والآن. نحن نرفض أن نبقى مكتوفي الأيدي، متخفين بإرث آبائنا. بل على العكس من ذلك، نحن اخترنا الدخول إلى ساحة معركة الأفكار والعمل، لنشكل بنشاط معالم عالم يقدر العقل الحر قبل كل شيء. في هذا العالم، لن تكون العلمانية مجرد مفهوم، بل مبدأ توجيهي يشكل مجتمعاتنا، ويضمن ألا تجد ثعالب التراجع الماكرة ملجأ في وسطنا.
معًا، نبدأ هذه الرحلة، متحدين بالتزامنا برؤية الحداثة العلمانية. وسوف يتردد صدى جهودنا عبر أروقة الزمن، وهي شهادة على تصميمنا على نحت مستقبل يكرم إرث التنويريين الاوائل بينما يحتضن إمكانيات الغد بجرأة. وفي هذا المسعى، لسنا مجرد مشاركين، بل نحن مهندسو عصر جديد، وأبطال العلمانية الذين سيقطعون مخالب التراجع بشكل حاسم. هذه هي مهمتنا، ونحن ننهض للوفاء بها.