فرج وعبد الشافي

فرج وعبد الشافي

 

قطار التاسعة صباحاً نحو الجنوب الى حيث الريف. يجلس فرج الشاب الاسمر النحيف طويل القامة وهو طالب في كلية الهندسة، يتأمل في اغراضه ويخرج كتاب صغير الحجم ويبدأ بالقراءة. تمر دقيقتان، يسمع فرج من يلقي التحية عليه:

عبد الشافي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يرد فرج: وعليكم السلام أهلاً وسهلاً! هل تود الجلوس هنا؟

يرد عبد الشافي: إن لم يكن محجوزاً لأحد.

… عبد الشافي كان شاباً ضخم الجثة ابيضاً وذو لحية كثة وثوب قصير…

فرج: ليس محجوزاً مطلقاً تفضل يا صاحبي أهلاً وسهلاً!

يتأفف عبد الشافي قليلاً مظهراً انزعاجه من شئٍ ما… لم يتدخل فرج مع إنه فقد لاحظ نظرة عبد الشافي المتأفئفة.

بعد جلوسه، يبدأ عبد الشافي بالتمتمة وكأنه يقرأ بعض آيات القرآن.

*****

يقرر فرج عدم ازعاج جاره فالطريق طويل لذا بدأ بقراءة كتيبه الصغير وهو مسرحية للكاتب والمفكر الكبير جان بول سارتر بعنوان “الذباب”

تمضي بضعة دقائق وإذا بعبد الشافي يسأل فرج: هو الاخ نصراني؟

فرج: عفواً حضرتك لم أسمع ما قلت؟

عبد الشافي (ببعض التأكيد في صوته) : هو أنت نصراني؟

فرج: ولماذا هذا السؤال يا أخي؟

عبد الشافي: إذن أنت نصراني وتخشى الاجابة… يقهقه بإسلوب مبالغ به قليلاً وكأنه مسك ذلة على جاره…

فرج: مالداعِ للضحك ايها المحترم؟! أتمنى أن افهم حتى إستمتع معك بعض الشئ.

عبد الشافي: لا شئ يا افندي لا تأخذ ببالك… الموضوع إني إنتبهت أنك لم ترد السلام الشرعي علي بشكل كامل. ثم ها أنت تقرأ كتاب لأحد الكتاب الملاحدة. ولما سألتك عن دينك تهربت عن الاجابة فعرفت انك خائف مني فتوصلت الى كونك نصراني. فالنصارى يخافون منا… (يقهقه عبد الشافي بصوت قوي)

*****

فرج: انت تحسد يا صديقي على قوة الملاحظة التي تمتلكها… عيني باردة لا اقصد الحسد

عبد الشافي: لا تخف انا محمي بحصن كتاب الله… مهما فعل الكفار لن يضرني شيئاً

فرج: موفق يا صديقي

عبد الشافي (ضاحكاً): لماذا الكذب؟! فنحن لسنا أصدقاء! انت تتمنى زوالي كما اتمنى أنا زوالك.

فرج: لماذا تظن ذلك يا سيد …؟

عبد الشافي: اسمي عبد الشافي وانت ما اسمك؟

فرج: فرج

عبد الشافي (ضاحكاً): هل انت متأكد؟

فرج: انت تضطرني الى اضيق الطريق كما أظن اليس كذلك؟

عبد الشافي (بنظرة حادة): ليس لديكم عندنا اي شئ. فالشرع يأمرنا بقتالكم.

فرج (مستغرباً): لماذا ذلك؟! هل رأيتني أحمل عليك سلاحاً؟

عبد الشافي: لو وقع السلاح بيدك ستحمله وتقتلني. فأنتم تتمسكنون حتى تتمكنون.

فرج (مبتسماً): لماذا كل هذا الظن السئ بأخوتك؟

عبد الشافي (مشدوداً): بأي أساس انتم أخوتنا؟

فرج: نحن أواد وطن واحد… أنا اعلم ما ستجيب ولكن الوطن بالمفهوم الحديث حلّ محلِ المعاهدة والذمة أيام زمان.

عبد الشافي: اراك تعرف ببعض المصطلحات الدينية الاسلامية.

فرج: قلت لك يا محترم اننا اولاد وطن واحد. وهذه اضحت معلومات عامة

عبد الشافي: لامعنى لما تقول فلايوجد معاهدة بيننا وبينكم

فرج: الدول الحديثة كلها عملت بهذا الاسلوب، مثلاً ما يفعله البعض من قتل وترويع واعتداء في البلدان الغربية هذا اصلاً مخالف للشرع الاسلامي

عبد الشافي: من أين لك هذا؟ هؤلاء كفار حربيون! الا ترى ما فعلوه في بورما؟! فلسطين؟! العراق؟! سوريا؟! أغلب بلاد الاسلام تدمرت بسببهم. فهم أعلنوا الحرب علينا إبتداءً.

فرج: يعني مبدئياً انت متفق على إنها بلاد إسلامية

عبد الشافي: أكيد بلاد إسلامية

فرج: وتلك البلاد يا أخي هي اعضاء في الامم المتحدة وهذا يعتبر عهد أمان بين الجميع لا يجوز لأي أحدٍ إنتهاك ذلك. ولو في اي اعتداء من أي طرف على اخر سيتم اللجوء للقانون الدولي لحماية تلك البلاد من اعتداءات اي بلد اخر.

عبد الشافي: ربنا يقول: قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة

فرج: يا سيد عبد الشافي رعاك الله القران يجيبك عن اشكالك هذا… القران يقول لك كما يقاتلونكم كافة… يعني حينما يقوم فلان بقتل زملائه في نفس دار الرعاية وهم لم يحملوا عليه سلاحاً اليس هذا عدوان… ولاتنسى : ان الله لا يحب المعتدين.

عبد الشافي: حضرتك نصراني ام ماذا؟

فرج: يا صديقي الكريم اترك موضوع ديني الان واجبني فيما قلته لك.

عبد الشافي: ربنا يقول: قاتلوا الذين لا يؤمنون … حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون

فرج: وهو من قال: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا

عبد الشافي: شبعنا من كلامكم هذا ايها العلمانيون… تتكلمون وكأن الجهاد في الاسلام ليس اكثر من جهاد الدفع وكأن الاسام لايوجد فيه جهاد طلب

فرج: انا اعرف ما تقصد وعن كل الايات التي تشير اليها ولكني اذكرك ان النبي تصالح في الحديبية مع قريش بدون اي قيود او شروط. وفي تلك الفترة كان الجيش الاسلامي لا يعدو 1500 مقاتل ولكن بعد صلح الحديبية وبمرور عام ونصف فقط قام النبي بفتح مكة ومعه 10 الاف مقاتل… السلام هو الطريق الامثل لكل الاديان يا صديقي والقران قال: ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة. القران يا صديقي خاطب النبي وقال له في شأن الخيانة: وإما تخافن من قوم خيانة فإنبذ إليهم على سواء إن الله لايحب الخائنين.

عبد الشافي: ونحن خنّاهم بماذا؟

فرج: حينما تحصل على الفيزا لزيارة دولة ما… فذلك عهد امان لو نقضته فأنت خائن… حينما تحصل على جنسية ذلك البلد فذلك عهد أمان لو نقضته فأنت خائن… صدقني من يقوم بذلك يسئ للاسلام اكثر مما يخدمه.. وانتم بدعمكم لذلك لستم الا داعمين للسوء

عبد الشافي: مستحيل تكون مسيحي… انت مسلم أليس كذلك؟

*****

يصل القطار الى المحطة الاخيرة

يبتسم فرج ويقول لعبد الشافي… قل لي يا صديقي من اي قرية انت؟

عبد الشافي: من بلد شرقي النهر… وانت؟

فرج: من بلد غربي النهر

ينزل الاثنان

عبد الشافي: لا علم لي بعوائل مسيحية هناك لابد ان تكون مسلماً من ذوي العلمانية الحديثة

فرج: دعك من هذا الكلام… الوقت وقت اذان العصر دعنا نصلي وندع بأن يحل السلام على كوكبنا الصغير هذا

عبد الشافي (ساخراً): نصلي!!! لا يوجد كنيسة هنا لامثالك… (يقهقه)

فرج: أنا اصلي في جامع المحطة لا اريد ان يفوتني وقت صلاة العصر فطريقي للبيت طويلة… هيا معي لنصلي جماعة

عبد الشافي: ماذا!!!!! يتلعثم ويتمتم… ويقول: أأأأ أعتذر منك يا أستاذ فرج علي اللحاق بسيارات التاكسي اني لن أجد سيارة لكل حاجاتي… لنا كلام آخر لا تتصور انك هزمتني

فرج (مبتسماً): يا مرحباً بك في أي وقت… انا من بيت الشيخ فودة إمام البلد… أنا ابنه الصغير… شرفني في أي وقت انا موجود طوال الصيف هنا

عبد الشافي: إبن الشيخ فودة … أأأأأ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عبد الشافي متمتماً مع نفسه: أو بالاحرى السلام على من إتبع الهدى.