الكثير من الأسئلة وصلتني وتصلني بشكل مستمر عن سبب تركي ورفضي للدين الإسلامي، أو عن سبب إلحادي بشكل عام. لذا جاء هذا المقال لأبين رأيي ووجهة نظري (الشخصية) في هذا الموضوع. في هذا المقال سأحاول صناعة مناظرة فكرية بين تجربتي الشخصية وبين الأديان الإبراهيمية الأربع، اليهودية والمسيحية والإسلام والبهائية. ولست هنا لأتكلم عن حياتي الشخصية وما جرى لي فيها من تجارب، ولكني سأحاول مناقشة الإيمان الإبراهيمي بشكل عام.
وطالما أن المقال سيركز على مناقشة العقيدة، لذا لن أتكلم بشكل كبير عن إشكاليات التشريعات والأحكام الدينية لهذه الأديان فهذا المقال ليس محلاً لذلك. فقد يكون السبب في رفض هذه الأديان منطلقاً من حالة إنسانية وشعور إنساني رافض لتعاليم ومواقف هذه الأديان. وقد يكون سبب الرفض نابع من مخالفات للعلم صريحة وعديدة، أو أخطاء واضحة في الكتب المقدسة لهذه الأديان. الأسباب الداعية لترك الأديان عديدة، ولكني وبشكل شخصي لم أترك الدين بسبب تشريع لا إنساني ولا بسبب موقف علمي، السبب الذي دعاني لترك الإسلام هو سبب فلسفي وفكري بحت، وسيتبين لكم من خلال هذا المقال خط الفكرة التي تبنيتها بشكل شخصي.
من خلال تجربتي الشخصية وجدت أن توجيه النقد والرفض للتشريعات الفرعية قد يتحمل العديد من التفسيرات، وقد يُدخل الحوار بصراعٍ عقيم. فالشيطان يكمن في التفاصيل كما يقولون. لذا توجهت لمناقشة أصول وقواعد العقائد الدينية بشكل عام ومكثف، فحينما تقوم بنسف أسس العقيدة لدينٍ ما، لن يبق لفروعه وتشريعاته محل للنقاش وللجدل.
*****
بتتبعٍ شخصي، أنا أرى أن الأديان الإبراهيمية وبشكل عام تريدك أن تؤمن (عقائدياً) بثلاث أضلاع أساسية، تؤسس من خلالها القاعدة البنيوية للدين. وهذه الأضلاع الثلاثة هي:
أولاً: الإيمان بالاله الإبراهيمي الخالق الواحد (سواء كانت وحدانية إسلامية ويهودية وبهائية أم وحدانية ثالوثية كالمسيحية).
ثانياً: الإيمان بالحياة الأخرى الأبدية بعد الموت وأن الإنسان سيحاسب إيجاباً أو سلباً عن أفعاله في حياته هنا، ونتيجةً لذلك سيذهب إما الى الجنة والنعيم أو الى النار والجحيم.
ثالثاً: الإيمان بوجود النبوة (والأنبياء) الذين أرسلهم ذلك الإله الخالق لينقلوا رسائله وقوانينه لمخلوقاته (من الناس).
قد يرى البعض أن الإيمان الإبراهيمي يرتكز على الإيمان بالله وبالحياة الأخرى، وأن النبوة ليست ركناً أساسيا للإيمان كما في المسيحية مثلاً. ولكن وطالما أن الإسلام والبهائية وضعا النبوة موضع الركن لذا قمت بإضافتها لأضلاع الإيمان الإبراهيمي.
منهجية هذا المقال:
مرّت الأديان الإبراهيمية عبر التاريخ بانتصارات (عسكرية) كبيرة، كما مرّت ايضاً بهزائم عديدة، وعبر هزائمها وانتصاراتها تغربلت عقائدهم بشكل كبير وشديد، حتى قام دعاة الإبراهيميات ومبشريها إلى وضع الكتب والمصنفات العديدة لتقديم إدعاءاتهم وللرد على إشكالات خصومهم. ولكن الميزة الأعم في هذه المصنفات والكتب أنها بالإجمال كتب هشة، لاعقلانية، مكررة ومتشابهة بشكل مزعج. وحتى المعاصرين منهم لا يمكنهم صناعة طرح حديث، بل أن كل ما يستطيعون فعله مؤخراً هو (التحشيش) وربط بعض نصوصهم المقدسة (التي أكل الدهر عليها وشرب) بإكتشافات علمية حديثة.
في هذا المقال سأقوم ب:
أولاً: مناقشة العقيدة الإبراهيمية من زاوية النظر الإبراهيمية، وبالأسلوب الإبراهيمي، لذا سأحاول قدر المستطاع في هذا المقال التركيز على إستخدام المفردات التي تعوّد عليها المؤمنون الإبراهيميون ولكن بلغة حديثة ، مبتعداً قدر الإمكان عن التعقيدات الفلسفية (هذا لو إعتبرنا جدلاً أن المناقشة مع المؤمنين تصنّف على أنّه مناقشة فكرية أصلاً).
ثانيا: طرح وجهات نظر من زوايا مختلفة بعيدة عن الاطروحات الإبراهيمية.
ثالثاً: الإختصار بشكل موضوعي، ففي هذا المقال لن أحاول الغرق في الإطالة بالأخذ والرد. وأنا في أتم الإستعداد لتزويد الباحثين والقراء الكرام بمصادر قراءاتي الشخصية.
رابعاً: اللغة الصريحة، فلست هنا لأُراعي مشاعر المؤمنين. ولكني هنا للحديث بشكل صريح عن رأيي في العقيدة الإبراهيمية.
ينبغي لي ايضاً التنبيه أنني سأقوم ببعض الإقتباسات من اللغة العربية واخرى من الانجليزية، وسأستعين بموقع Google للترجمة مع بعض التعديل مني بصفة شخصية.
*****
لماذا أنا ملحد؟
بدايةً يقع هذا السؤال بخطأ تنفيذي كبير ذلك أنه موجه للمنكر، مهملاً المطالبة من المثبت بدليل الإثبات لدعواه القائلة بالقواعد الثلاثة أعلاه. واللغة القانونية العقلانية تقول أن على المدعي البينة، فالملحد أو اللاديني أو غير المؤمن بالأطروحات الدينية غير ملزم بتقديم أي دليل لإنكاره.
ومع ذلك سيقول المؤمنون أنهم قاموا بتقديم الأدلة العقلية على أطروحاتهم. وتسليماً مني بقبول هذا الطرح، والذي واقعاً لا يمت للعقل بأيِّ صلة، أقول تسليماً سأحاول قراءة ومطالعة ما يقولون، ومناقشة ذلك بأسلوب مختصر. لذا دعونا نلقي نظرة على مثلث الإيمان الإبراهيمي.
مثلث الإيمان الإبراهيمي
بدايةً ينبغي أن أبين للجميع أني وبصفة شخصية لا أعترض وفي نفس الوقت لايهمني إيمان أي شخص من عدم إيمانه بمعتقدٍ ما فذلك شأنه. ولكنني في نفس الوقت غير ملزم بما يراه ذلك المؤمن صواباً، فأنا أتبع ما أراه أنا صواباً. ومعنى ذلك أني أتبع قواعد علمية وفلسفية في تفكيري، ولو أراد الإبراهيمي تقديم دليله على أطروحته فعليه أن يقدمها بشكل علمي فلسفي، لا بشكل ميتافيزيقي معتمداً على مجموعة من (الإيمانات) صانعاً صوراً خيالية لا تعنيني بشئ. مرة ثانية للتأكيد على ما قلته سابقاً أنني لا أعترض على إيمانك بما تراه أنتَ صواباً، ولكنني في نفس الوقت سأقف معك على طرفي نقيض حينما تحاول فرض قناعاتك عليّ. ففي المشهور عن علي بن أبي طالب أنه قال (خاطبوا الناس على قدر عقولها)، وقدر عقولنا نحن هو المختبرات العلمية التجريبية، وقدر عقولنا هو علوم الريضايات والفيزياء والكيمياء. وهذه الرؤية تتفق مع رؤية الدكتور ريتشارد دوكنز في كتابه (River Out Of Eden, a Darwinian View of Life) حيث يقول:
“scientific beliefs are supported by evidence, and they get results. Myths and faiths are not and do not.”
الضلع الأول: الله والوحدانية
الإيمان بالإله الخالق الواحد الإبراهيمي (سواء كان يطلق عليه ياهوه أو الله) هو الأساس المشترك الأكبر بين الأديان الأربع، لذا يعتبر الضلع الأهم في مثلث الإيمان الإبراهيمي. وكل دعوات هذه الأديان قامت أساساً للدعوة إلى الإيمان بالله، لكن ورغم كل ذلك لاتجد هذه الأديان تتفق على صفات ذلك الإله لا من قريب ولا من بعيد. فعلى سبيل المثال منهم من يعتقد أن الاههم يسكن من جهة فوق، ومنهم من يستطيع النظر إليه، فمنهم من يراه في كل شئ وإتجاه حتى في (التواليت وما يخرج من الانسان بحسب تلك القاعدة). ومنهم من يراه قادراً على فعل كل شئ حتى الشر، ومنهم من يراه غير قادر على فعل الشر، ومنهم من يقسم يصنف الشر الى قسمين مضحكين: شرّ شرير وشرّ لابد منه ليس شريراً. وغير ذلك الكثير من الإختلافات التي لا تهمني كثيراً في هذا المقال، حيث أني أناقش إحتمالية وجود ذلك الإله من عدمه ولست هنا لمناقشة مواصفاته (أو صفاته).
فحين يأتي أصحاب الطرح الديني ليقولوا بوجود الله، داعين الاخرين للإيمان بهذا الإله، وقبل أن يلزمونا بما ألزموا به أنفسهم، عليهم الإجابة عن الاسئلة التالية: ماهو الله؟ ولماذا يجب أن يكون ثمة الله؟ ن أمتى كان هذا ال (الله)؟ كيف كان الله؟ وأين هو هذا ال (الله)؟ كيف تثبت أن هنالك ثمة إلله دون اللجوء للإيمان بما هو لاعقلاني؟
دعونا نتحدث بشكل مقتضب ومختصر عن أهم أدلة الإبراهيميين، فللإبراهيميين العديد من الأدلة وقد دَرَستُها، ودرَّستها، بشكل متخصص ومكثّف. ذلك لأني (ولمن لا يعرفني) سبق وأن كنتُ رجل دين مسلم (شيعي) ومن ضمن إختصاصي كان دراسة وتدريس علم العقيدة المقارن. وأؤكد على ما يلي:
أولاً: أني هنا لن أقوم بالرد على تلك الأدلة فهذا ليس الغاية من هذا المقال، فالغاية من مقالي هي الحديث عن لماذا رفضتُ أنا شخصياً فكرة وجود إله. ولو ذهبت للرد على أدلة الإبراهيميين فإن المقال سيخرج من هدفه، وسيطول بلا فائدة مرجوة.
ثاياً: أن كثرة أدلة الإبراهيميين على وجود ووحدانية خالقهم لا تعني أن نظريتهم سليمة، لذا أنا سأتحدث عن أهم وأقوى أدلتهم فقط، أما الادلة الضعيفة والتي أصنفها على أنها أدلة حشاشين (لأنها أدلة جاهلة) فلن أضيع وقتي ولا وقتكم بالتعريج عليها أصلاً.
ثالثاً: أني سأتعامل مع الإبراهيميين بشكل عام، مبتعداً عن تصنيفاتهم التي لا تعنيني بشئ. بمعنى أني سأعرج على الأدلة دون تمييز أن يكون هذا الدليل يهودياً أو مسيحياً أو إسلامياً أو بهائياً.
أستطيع إختزال الأدلة الإبراهيمية التي أراها أنها تستأهل الوقوف عندها (نوعاً ما) بثلاثة أدلة فقط، أما باقي الأدلة فأكرر أنها كلام يهين العقل الإنساني بالدرجة الاولى ومن المعيب أصلاً الوقوف عندها.
والأدلة الثلاثة هي:
- دليل الصانع والمصنوع ويسمى أيضاً بدليل السببية.
- دليل الوجود (واجب وممكن وممتنع الوجود).
- دليل التصميم الذكي.
فعلى سبيل المثال في دليل الصانع والمصنوع، يقول بعض الابراهيميون على سبيل المثال بأن البعرة تدل على البعير، ومن تلك البعرة يتوصلون إلى أن هنالك خالق لهذا الكون. ولكننا سنجيب عنه بالسؤال بالتالي: وما وراء ذلك الصانع؟ كيف جاء وما كان قبله وما سببه. سيذهب الإبراهيميون بعدها لدليل يسمى الوجود فيوضحون إمتناع الدور والتسلسل ليثبتوا من خلاله ضرورة وجود الخالق لتتحقق بداية الحياة وإلا لكانت البداية مستحيلة. وأن ذلك الخارج عن القاعدة هو واجب الوجود لتكوين السلسلة وتحقق الحياة والخلق. هذا الواجب الوجود سيكون خارج الفيزياء والزمن والرياضيات وخارج كل القوانين.
غاب عن الإبراهيميين أن العقل الانساني لايمكنه تصور واجب الوجود بحسب أطروحتهم، تماماً كما لايمكنه تصور العدم. فما هو تعريف العدم؟ وما هو تعريف واجب الوجود؟ المؤمن لايمكنه إيجاد تعريف منطقي لهذين المصطلحين. وهنا فاصطلاح إنعدام شئٍ ما لايمكن للعقل الإنساني إدراكه، ونتيجةً لذلك يتعذر عليه تعريفه. كما هو الحال في واجب الوجود. والتعريف المشهور عند فلاسفة الأديان الابراهيمية لواجب الوجود على أنه ما لا يحتاج في وجوده لغيره، لايعدو أن يكون سفسطة لغوية لا أكثر. وهذا هو تعريف إبن سينا الفيلسوف المسلم (في برهان الصديقين) والذي يشابه تماماً تعريف الفيلسوف اليهودي القروسطي موشي بن ميمون والشهير ب (Maimonides) (في كتابه دليل الحائر The Guide for the Perplexed). وتعرفيهم أعلاه يتناقض مع شروط التعريف الأرسطي السليمة (التي يعتمدها كلاهما)، ومن هذه التناقضات:
- أن تعريف واجب الوجود بأنه ما لايحتاج في وجوده لغيره، ليس أوضح مفهوماً وتصوراً عن المعرَّف، فهو لم يوضح الماهية، ولا نوع الإحتياج، ولا الغيرية.
- أن التعريف أعلاه هو عين المعرَّف في المفهوم، فالابراهيميون يعتقدون أن واجب الوجود هو شئ واحد دون مثيل ولا شبيه (الوحدانية). إذن تعريفه لايعدو أن يكون عين المعرّف ذاته. فهم كمن يعرف أن الانسان هو البشر.
- وقوع الدور في التعريف، فنحن كي نفهم تعريف واجب الوجود سنكون بحاجة للمعرَّف ذاته، بسبب حجة الوحدانية وأن واجب الوجود هو واحدٌ.
يمكنك مراجعة كتاب علم المنطق لمحمد رضا المظفر وقراءة فصل شروط التعريف. ويمكنك أيضاً مطالعة شروط التعريف الأرسطي.
وعليه فشل الإبراهيميون بصياغة تعريف علمي فلسفي لمصطلح واجب الوجود. أقول أن ما استحال تعريفه، إستحال تصوره. وما استحال تصوره إستحال فرضه. فإدراك أو فهم أو معرفة أي شئ خارج حدود القوانين العقلية أمر مستحيل، والعقل الإنساني كي يدرك بشكل سليم يحتاج الى علاقات زمنية وكيفية وماهية، وإلا فإن العقل الإنساني سيعجز تماماً عن إدراك ماوراء ذلك كله، وطالما أن المؤمنين يرون أن عقلهم توصل لإدراك خالقهم وتصوره إذن فهم يعترفون وبشكل صريح على أن ذلك الخالق ليس إلا ممكن وجود آخر في سلسلة الوجود (على حد تعبيرهم)، ولايمكن أن يكون هو هو ذلك الواجب الوجود المزعوم.
لنذهب الان لدليل التصميم الذكي (Intelligent Design)
يطلق على هؤلاء بالخلقيين، وهم يعتمدون في ارائهم على دليلين أو طريقين:
الأول: تعقيد الجسم البشري وأغلب أجسام الحيوانات، وخصوصاً العين فهم يولونها أهمية كبيرة لتعيقدها.
الثاني: الإنضباط العالي للنظام الفيزيائي للكون، وأن هذا الانضباط لو إختلف بمقدار عُشر بالواحد بالمائة لأختل النظام بالكامل.
مما تقدم أعلاه فإن الخلقيين يريدون التوصل إلى أن تعقيد الكون والكائنات يدل بالضرورة على إستحالة تكونها من لاشئ وأن الحل الأمثل هو وجود إله خالق ذو قدرة وعلم وحكمة لا متناهية لكي ينتج هذا التعقيد.
يعد الكاتبان ويليام بيلي William Paley (إنجليزي1743 -1805) و مايكل بيهي Michael Behe ( أمريكي ولد في 1952) من أبرز الخلقيين الذين كتبوا عن التصميم الذكي. وما يميز طرحهما هو أنهما يعتقدان أن أي نقص في مركبات تكوين اي شئ من جسم الكائن سيؤدي بالضرورة الى بطلان أو عدم عمل ذلك الجزء.
الخلقيون يعتقدون أن من المستحيل للعين عند الإنسان (مثلاً) أن تصل إلى هذا المستوى من التعقيد دون أن تكون مصنوعة من قبل خالق. ولكن وكالعادة يهمل الخلقيون الدراسات العلمية المختبرية ويركزون على ملاحظات شخصية. حيث أهمل الخلقيون بطرحهم هذا الية التدريج التي نمت بها الكائنات عبر ملايين السنين. فالعين لم تصل الى هذا المستوى بخطوة تطور واحدة. وقد لا نستغرب من طرحهم حيث يعتقد الخلقيون أن عمر الأرض لايتجاوز 6 الاف عاماً وفي بعض الاراء 15 الف عاماً (معتمدين على كتبهم المقدسة)… فنحن نتكلم عن أرض بعمر يصل الى 5 مليار ونصف سنة، مقابل ارض بعمر 6 الاف عاما. ويمكنك أن تتصور أنهم يرون أن عمر الأرض إبتداءً أصغر حتى من عمر السلالة الحالية للإنسان (الهوموسيبيان) والتي تصل الى 300 الف عام.
أما بالنسبة للكون والنظام الفيزيائي المعقد، فقد درسه ويدرسه علماء الرياضيات والفيزياء والفلك بشكل مكثفنأ(، وقد تكون نظرية الإنفجار العظيم (The Big Bang Theory) ، للفيزيائي البلجيكي جورج لوميتر George LeMaitre (1894-1966)، أفضل ما يوضح كيفية نشوء الكون. ومن سخرية القدر أن يكون جورج لوميتر قسيساً كاثوليكياً.
تعد نظرية الإنفجار العظيم الأكثر قبولاً وإنضباطاً عند كل مجامع علماء الفيزياء والفلك.
في نهاية هذا الجزء أود أن أقتبس قول الكوميديان الأمريكي جورج كارلن:
I’ve been worshipping the sun for a number of reasons. First of all, unlike some other gods I could mention, I can see the sun. It’s there for me every day, and the things it brings me are quite apparent all the time: heat, light, food, reflections at the park—the occasional skin cancer, but hey! There’s no mystery, no one asks for money, I don’t have to dress up, and there’s no boring pageantry.
“ATHEISM: A GUIDE FOR THE PERPLEXED”
الترجمة: لقد كنت أعبد الشمس لعدد من الأسباب. بادئ ذي بدء، وعلى عكس بعض الآلهة الأخرى التي يمكنني ذكرها، يمكنني أن أرى الشمس. فهي متواجدة لي في كل يوم، والأشياء التي تجلبها واضحة تماماً طول الوقت: حرارة، ضوء، طعام، الظلال في الحديقة العامة – عرضياً سرطان جلد، ولكن مهلاً! لايوجد لغز، لا أحد يطلب المال، لست مضطراً لارتداء الملابس، ولاتوجد طقوس مملة.
أقول، أن الإشكالية الكبرى لدى الأديان الإبراهيمية هي محاولة إسقاط الإيمان بالمجرد على إدراكاتنا المادية، وهذان لايمكنهما الإلتقاء يا سادة. فمالم تخضع الاطروحة الدينية للدليل العلمي، لن تصل الى مستوى عقولنا وسنراها دائماً على أنها لا أكثر من مجموعة من الخرافات والدجل. فالله عندي بشكل شخصي لايعدو أن يكون طائر عنقاء، أو تنين. فكما لايمكن لأي شخص أن يثبت وجود طائر العنقاء أو التنانين فأيضاً لايمكن لأي شخص أن يثبت وجود الله مستخدماً نفس الطريقة العقيمة التي تستخدم لإثبات الخرافات. وقد يقول المؤمنون أنّ الإله لابد أن يكون بعيداً عن الإثبات العلمي، أو الحسي لكي يكون هنالك قيمة للإيمان. (وهو ما يقوله ريتشارد سيونبيرن و آلسدير ماكنتاير). وهذه الآراء ليست آراء مستقيمة ويمكنك عزيزي القارئ مراجعة الكتاب أعلاه:
“ATHEISM: A GUIDE FOR THE PERPLEXED”
لقراءة الردود الكاملة على مثل هذه الآراء الهزيلة.
الضلع الثاني: الحياة الأخرى والحساب والعقاب
الحياة بعد الموت والجنة والنار هي أكثر ما تتفق عليه الأديان الإبراهيمية، يحاول بعض الباحثين (المؤمنين) إثبات أن هناك حياة بعد الموت بشكل تجريبي، من خلال تجارب وبحوث سريرية يجرونها على من لهم تجارب مع الموت أو ما تجربة تقترب من الموت (Near Death Experience). ويعتمدون روايات بعض هؤلاء الأشخاص لتؤكد لهم وجود إحتمالية عالية لحياة بعد الموت. وبسبب كونهم في الغالب من أصحاب الرأي المسبق، فأغلبهم لايبحث من أجل العلم والمعرفة وإنما يبحثون لإثبات تصور أو نظرية مسبقة لديهم. فالقصص التي يروونها نقلاً عن هذه العيّنات ليست إلا تأكيد لرؤى دينية، وفي الغالب إبراهيمية، كشريط الحياة، أو رؤية من يحيطون ويقفون حولهم (من خارج جسدهم)، أو الاحساس بأنهم ينسحبون إلى الأعلى، أو الضوء الأبيض الساطع.ألخ. كل ذلك لايعدو أن يكون إما هلاوس أو أحلام وكوابيس يتعرض لها المريض (الشخص الذي يعاني من تجارب قرب الموت)، فكلنا سمعنا ذلك من قبل سواء في الكتب أو الروايات أو عن طريق المجتمع من هنا وهناك، فهذه المعلومات كلها معلومات مبذولة وبدون تأكيد. وهذه التجارب التي يقوم بها هؤلاء الباحثين (يبلوها ويشربوا ماءها). التحدي هو أن يأتون بميت من قبل سنة أو سنتين ويحيوه كما هو هو (كما كان يفعل المسيح في الميثولوجي المسيحي عنه) ونسأل ذلك الميت عمّا رآه هناك. ومن ثم نعيد التجربة مرة وإثنين وثلاثة ومائة وألف ومائة ألف ونجمع كل الروايات ونقارن بعضها ببعض لنعرف كيف نحدد رأي أكثر صلابة في هذا الموضوع.
ولكن أريد أن أستشهد بالقول الشهير لكونفوشيوس الحكيم حينما سئل عن الحياة بعد الموت فقال (لم يأت لنا شخص من الموت ليخبرنا بما يحدث هناك).
الضلع الثالث: النبوة
وهي من أضعف أضلاع مثلث الإيمان الإبراهيمي، فهي تعتمد كلياً على الضلعين الآخرين وخصوصاً وجود الإله الإبراهيمي، والذي كما بينتُ أعلاه أنه يستحيل إثباته. ومع ذلك، على فرض الجدل فقط، فالسؤال الأول لمن يدعي النبوة هو كيف نثبت أن ذلك الشخص هو في الحقيقة نبيٌ مرسلٌ من إله؟
وستكون الإجابة بوسائل محددة أهمها (المعجزة-صناعة الخوارق)، بمعنى أن النبي يحتاج لمعجزة خارقة للطبيعة كي ثبت للناس أنه شخص مرسل من إله قادر. وهنا تفصيل غاية في الأهمية، فحتى لو قبلنا هذا النقاش (جدلاً) فإن السؤال الآتي قد ينسف النبوة من الأساس وهو: كيف يثبت المؤمنون حصول المعجزة؟ فتاريخياً كل المعجزات أو الخوارق كانت مؤقتة ومحدودة وشهودها كانوا في أضيق الحدود. لذا فإن أغلب المؤمنين لم يشهدوا أي من المعجزات أو الخوارق التي تذكرها كتب الإبراهيميات، فالأغلب الأعم كانوا مجرد تابعين لتابعين لتابعين.
قد يشكل المؤمن أن ذلك لا ينفي حدوث المعجز إبتداءً، وأجيب أن المعجزات لاقيمة لها إن لم تكن مشهودة من قبل الجميع وثابتة لعقوله. فما معنى ان يسير شخص على الماء ويراه إثنان أو ثلاثة؟ وما معنى أن يقوم شخص بشق البحر أمام عشيرته (فقط)، ثم لتنقلب هذه العشيرة عليه بعد كل ما رأوه؟ وما معنى أن يأتي شخص بكتاب يدعي أنه كتاب إعجازي وهو ملئ بالتناقضات والأخطاء العلمية والتاريخية والإنسانية؟ فلو أخبرني صديق أن هناك إنسان سار على الماء، لقلتُ لصديقي فوراً أنك كذّاب أو أحمق. ونفس الشئ لمن يخبرني عمن يشق البحر ويرسل الجراد والضفادع. أما من يأتيني بكتاب يدعي الإعجاز فسأقلب صفحات ذلك الكتاب، لأصل مثلاً إلى (وما ملكت أيمانكم) ثم لأصل إلى (تقطع أيديهم وارجلهم من خلاف) وسأكتشف بكل سهولة أن هذا الكتاب يتناقض مع نفسه حينما يقول (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). أما أخطاء هذا الكتاب القصصية والتاريخية فحدث ولا حرج، فقصص موسى ويوسف وعيسى وفرعون وهود الخ كل تلك القصص كانت قصصاً مليئة باللخبطة التاريخية. ناهيك عن الاخطاء العلمية من كيفية صناعة الجنين والنطفة والبيضة إلى النجوم وحركة الشمس والقمر إنتهاءً بشكل الأرض… الخ من مزحات القرآن العلمية.
بشكل شخصي أنا مستعد أن أتقبل النبوة لو جاء ذلك الشخص بالمعجزة أمام الجميع، وأن تكون معجزة ذات قيمة إنسانية، كأن يحل السلام في العالم، أو كأن ينتهي الجوع والفقر من العالم، أو كأن تحل السعادة على الجميع. سأؤمن لو حدث غداً وفي غضون 24 ساعة من الاى أن يجلس أسامة بن لادن مع باراك أوباما وعلي خامنئي وملك السعودية على طاولة واحدة وأن يحل السلام فيما بينهم، وتتوقف الحروب، ويعيش الجميع بسلام. أنا مستعد للإيمان بالمعجزة لو تم حل أزمة القضية الفلسطينية برضا الأطراف جميعاً غداً وفي غضون 24 ساعة. أما أن تكون المعجزات على شكل كلمة الله على حبة بطاطا أو على شكل رسم الصليب في داخل حبة طماطم، أو مسير على الماء أو شوية كلام فاضي، فهذا الكلام ليس إلا مضيعة للوقت وللعقل، بل ومن المعيب جداً علينا أصلاً أن ننظر أو نستمع لهذا الهراء.
وهنا أنا أؤكد أن المؤمنين كي يثبتوا لنا النبوة والمعجزة فعليهم أن يكلمونا على قدر عقولنا، لا أن يأتوا بروايات وخرافات من كتبهم، وهم مقتنعون بها (وهذا شأنهم)، ثم ليريدوا منا الإيمان بكل ماهو مخالف للعقل وبدون أي مشاهدة وإثبات.
بالإضافة لما تقدم، فالنبوة تعاني من الكثير من المشاكل الأخرى، ومنها تحديد مواصفات الأنبياء. فلطالما كان هذا الجانب محل للخلاف بين الإبراهيميين. فالنبي عند بعضهم لابد أن يكون شخصاً غير قادر على الخطأ أو بتعبير آخر أن يكون معصوماً منذ الولادة، ولدى البعض الآخر يرى أن النبي سيكون معصوماً بعد النبوة، وعند البعض الاخر فالانبياء معصومون فيما يتعلق بتبليغ الرسالة والشريعة دون غيرهما، وعند البعض الاخر، ليس للأنبياء أيّ تميز أو تمييز في هذا الجانب. ولكنهم يجمعون على أن الانبياء هو مجموعة من الأشخاص الجيدين. ولكن السؤال لكل هؤلاء كيف تثبتون عصمة شخص ما؟ فلا دليل عقلاني على ذلك. أما لو قلتم أن العصمة ليست شرطاً فكيف تثبتون صحة التبليغ؟
المشكلة الاخرى التي يعاني منها هذا الموضوع هو كون الأنبياء بالمطلق من الرجال، وقد لايكون هذا الموضوع بالإشكال الكبير لو أدركنا أن الأديان الإبراهيمية على الإطلاق وبشكل واضح جداً أديان ذكورية بتميز. ولكن لا معنى عقلاني من وجود عشرات الآلاف من الأنبياء عبر التاريخ دون وجود ولو إمرأة واحدة فيما بينهم.
ومن المشاكل الأخرى هي مشكلة غياب الأنبياء الإبراهيميين خارج بقعة الشرق الأوسط رغم أعدادهم الضخمة. فكل الأنبياء الإبراهيميين لا يعدون خط حركة إبراهيم، من العراق الى القدس، إلى مصر، إلى الصحراء العربية. فنحن مثلاً لانرى أن (الله) قد أرسل نبياً في أوروبا مثلاً، ولا في الامريكتين ولا في أقاصي أفريقيا ولا ولا ولا.
إضافة الى ماتقدم من الإشكالات في موضوع النبوة، تأتي مشكلة عدم الثقة المتبادلة بين الأديان والأنبياء الإبراهيميين، حيث أن أغلب الابراهيميين لايثقون ببعضهم البعض، وأنبياءهم في الغالب لايثقون بمن يليهم ولا بمن يعاصرهم من الأنبياء. فاليهود هم أول من أطلق مصطلح المسيح الدجال، ليقاوموا ظهور المسيح (على فرض وجود شخصية تدعى المسيح). ثم جاء المسيح ليقول أن من بعده سيأتي أنبياء كذبة. وبعد ذلك يأتي نبي المسلمين ليقول أنه خاتم الأنبياء. ثم ليأتي بعد ذلك بهاء الله ليقول أن الانبياء يأتون على بعد ألف سنة بين النبي والاخر وأن كل من يدعي النبوة قبل ذلك ليس بنبي. بل أن أغلبهم لم يتقبل فكرة وجود نبي آخر في نفس زمانه، كمحمد نبي المسلمين ومسلمة بن حبيب. حتى وصل الأمر الى قتل مسلمة من قبل المسلمين.
ملاحظات ختامية
ألإبراهيميون كانوا الأسوء تأريخياً، بالتعامل فرغم إنتمائهم الى تاريخ وقواعد مشتركة تراهم الأكثر إجراماً بين بعضهم البعض. فاليهود ساهموا بقتل المسيح، والمسيحيون المسلمون خاضوا حروباً عديدة وطويلة ودامية فيما بينهم. ومجازر المسيحيين والمسلمين ضد اليهود ماثلة إلى يومنا هذا. ولايزال المسلمون يعرضون البهائيين الى أشد أنواع العذاب حتى يومنا هذا. وقد يرد بعض المسيحيين بالقول أن المسيح لم يكن عنيفاً أو محارباً، وسارد بالقول أن بالرغم أن المسيح ثبت في بعض الآيات عنفه ضد اليهود، ولكن العنف والحروب الكبرى لاتحدث الا بوجود السلطة، والمسيح لم يصل الى هذا المستوى في حياته، حتى تبنى قسطنطين الأول المسيحية لتحصل المسيحية على أول تقدم وفرصة فعلية نحو السلطة، ليبدأ بعدها التحول الكبير في التاريخ المسيحي. أما البهائية فهي لاتزال ديانة حديثة لم تحصل بعد على الفرص الكافية. ولكن الجميع تحت سقف واحد، فالسلطة الثيوقراطية ليست إلا مؤسسة للفساد والعنف المبرر المقدس. وسيثبت التاريخ ما أقول، فالأديان الإبراهيمية لاتعدو أن تكون أسوء منتج بشري عبر التاريخ.
في آخر هذا المقال أود أن أسجل رفضي لإصطلاح (ملحد) وهو الترجمة العربية لكلمة (Atheist). فالإلحاد أولاً ليس نكراناً للآلهة، بل هو ببساطة إنعدام الإيمان بها. والإلحاد ليس منظومة دينية أو آيديلوجيا سياسية أو علمانية كما يحب أن يصورها بعض المتدينيين. ألملحدون يرون ببساطة أن ما ينعدم فيه الدليل العلمي التجريبي لايعدو أن يكون خرافةً. لذا وبشكل شخصي أطلق على نفسي بأني (لاخرافي) وأرى شخصياً ان المؤمنيين بأي أطروحة غير مدعومة بالعلم هو مجموعة من (الخرافيين).