لماذا أنا ملحد الجزء الثالث

لماذا أنا ملحد؟ الجزء الثالث – الحياة الأخرى

 
الضلع الثالث: الحياة بعد الموت والحساب والعقاب

الحياة بعد الموت والجنة والنار هي أكثر ما تتفق عليه الأديان الإبراهيمية، فهم متفقون جميعاً على أن الانسان سيموت ثم يعود لحياة ابدية وهذه الحياة ستكون جزائية بما فعله في هذه الحياة، فإن كان شريراً فمصيره الخلود بالنار (الجحيم)، وأما من كان خيّراً فمصيره الجنة (النعيم).

ومن الملاحظ أن الخيرية أو الشر بحسابات هذه الأديان محددة بشكل ثلاثي الأبعاد:

  • البعد العقائدي: فهم يحاصرون أتباعهم بشكل عنيف ومرعب عقلياً ونفسياً وجسدياً، فهم كمنظومة مافيا يقتلون (جسدياً ومعنوياً) ويعذبون ويحاكمون أي تارك للعصابة (الدين). بل أن بعضهم ذهب لأبعد من ذلك كاليهودية مثلاً ففي اليهودية لايمكنك المغادرة مطلقاً حتى وإن رفضت اليهودية. فهم لا يتركون لأتباعهم أي فرصة للشك أو التفكير برفض مطلقاتهم العقائدية. والأسوء من ذلك أنهم يقومون بتشويه العقل الإنساني بشكل مبكر جداً فتجد أن بعضهم يؤمن بأن الإنسان يولد على الفطرة موحداً مسلماً كما عند المسلمين، أو أنهم يقومون بتعميد أطفالهم كما عند المسيحيين… الخ. لذا يفرضون مفهوم الخير والشر على نتاج العقل الإنساني، فلو إتفقت رؤواك العقلية (لو صحَّ هذا التعبير) مع تصوراتهم (حتى لو كنت سيئاً في كثير من الأمور الأخرى) فأنت خيِّر وستدخل الجنة، ولو لم تتفق رؤاك معهم فأنت شرير وستدخل الجحيم حتى لو كنت إنساناً جيداً في الحياة، هذا بالإضافة لما سيعاقبوك به في هذه الحياة.
  • البعد التشريعي: تتفق الأديان الإبراهيمية جميعاً على وجود تشريعات (إلزامية وغير إختيارية) على تابعيها فإن إلتزم المؤمن بهذه التشريعات سيكون خيّراً ولم لم يستطع الإلتزام بها فهو إنسان شرير. وتتفاوت الأديان الإبراهيمية في مستوى وعمق وتفريع تشريعاتها، فالمسيحية قدمت عشرة تشريعات (وصايا) رئيسية ولكن لديها تفريعات وإلتزامات طويلة وعديدة، نفس ذلك عند اليهود والمسلمين والبهائيين. حتى وإن تَنَكَّرَ بعضهم عن مفردة تشريع كما عند المسيحيين (هذه الأيام) فحينما تستخدم مفردة (شريعة) يتحسس الشخص المسيحي من تلك الكلمة ويحاول جهده للتقليل من أهميتها في حياته، ولكن الواقع غير ذلك تماماً.
  • البعد الأخلاقي: يضفي أغلب الإبراهيميين الشر والخير على الكثير من المواقف الأخلاقية فمثلاً مساعدة المحتاج (علماً أني أتفق على كونها شيئاً جيداً) ورغم كونها ليست فرضاً تشريعياً ولكنها عند بعض الإبراهيميين تصل إلى مستوى الخير الأخلاقي الذي يحصل فاعله على الجنة. وبالتأكيد يقوم هؤلاء بتقنين نوعية المساعدة ومن يستحقها أو لا يستحقها. أتذكر بصفة شخصية حينما كنت رجل دين شيعي كنت أرفض تقديم الصدقات لأناس مسيحيين مثلاً وذلك لكون المسلمين أولى، والشيعة منهم أولى من السنة. فحتى تقديم العون كان حالة مقننة تدخل في آيديلوجيات دينية فارغة غير إنسانية.

الأبعاد الثلاث أعلاه تجعل الطريق لحياة خالدة في الجنة أمر صعب وشائك على التابعين (كما في الموروث عن المسلمين: حُفت الجنةُ بالمكاره وحفت النارُ بالشهوات وهو إعتقاد يشترك به جميع الأديان الإبراهيمية)، لذا تجد المؤمنين في الغالب يعانون من عقد الذنب المعقدة، فهم يعتقدون أن إلههم مشغول بمراقبتهم بشكل دقيق وكبير وفي كل مكان وزمان بل وحتى داخل عقولهم بل حتى أنه (أقرب إليهم من حبل الوريد). كل هذا الخوف والرعب ناتج عن المركب الثلاثي الأبعاد أعلاه. فهو إن فلتَ من البعد العقائدي سيسقط في البعد التشريعي، وحتى إن فلت من هذا فسيسقط في البعد الأخلاقي.

يعتمد المؤمنون بشكل رئيسي لإثبات وجود حياة أخرى على 4 أنواع من الأدلة:

  • محاولة إيجاد تفسير للحياة وغاية لوجودنا هنا: ويستنتجون بذلك أنه من الضروري وجود حياة أخرى بعد الموت تعطي قيمة لأفعال الخير (بحسب ما فسرناه أعلاه) التي يقدمها الانسان هنا. وكذلك تعطي إنتقاماً لأفعال الشر (بحسب ما فسرناه أعلاه أيضاً) التي يرتكبها الإنسان أيضاً. وهذا الحجة ينقصها الدليل العلمي كالعادة فلا يوجد وسيلة لإثباتها علمياً بأي صورةٍ كانت. بالإضافة الى كونها تثير إشكالية أخرى، فلو كان الإله الحكيم فعلاً يريد أن يصنع غاية للحياة ولوجود الإنسان هنا فما معنى وجود أكثر من 13 مليار عام بلا معنى قبل وجود الإنسان على وجه الأرض؟ وما معنى وجود الأكوان والأجرام الفضائية التي لامعنى لوجودها مطلقاً؟ أنا بشكل شخصي أتفهم الحاجة والرغبة والأمل لإيجاد معنى وغاية لوجودنا أكثر مما تصوره لنا علوم الأحياء في نظرية التطور، أو علوم الفيزياء والرياضيات والفلك في نظرية الإنفجار العظيم. ولكن الرغبة والأمل شئ والواقع شئ آخر. فالكون والأرض والحياة لاتأبه بأيٍّ منّا، بقينا أو إنعدمنا فالطبيعة لاتكترث بذلك. ومحاولاتنا اليائسة لخلق معنى وغاية للحياة ليست أكثر من حاجة شخصية تبناها الإنسان لأنه (بحسب ما توصلنا إليه علمياً حتى الآن) الأذكى بين الموجودات على هذا الكوكب. وبسبب هذا الذكاء فنحن نحاول إيجاد حلٍّ لمشكلة الموت والفناء، فنحن نرغب شديداً بالبقاء أطول وأطول وأحيانا بالخلود، ولاطريق أمامنا سوى أن نقنعَ أنسفسنا بوجود حياة أبدية بعد الموت، دون أي دليل علمي أو مختبري على هذه الأطروحة. (راجع الجزء الخامس من هذه السلسلة والتي أناقش فيها سؤال ما الغاية من وجودنا؟)

يقول الفيزيائي كارل ساغان (Carl Sagan) في هذا الخصوص

 I would love to believe that when I die, I will live again, that some thinking, feeling, remembering part of me will continue. But as much as I want to believe that, and despite the ancient and worldwide cultural traditions that assert an afterlife, I know of nothing to suggest that it is more than wishful thinking.

الترجمة:

أود أن أصدق أنني حينما أموت، سأعيش مرة أخرى، وأن بعض التفكير، والمشاعر، وتذكر جزء مني سيستمر. ولكن بقدر رغبتي بتصديق ذلك، ورغم وجود تقاليد ثقافية وعالمية تؤكد وجود الحياة الأخرى، فأنا لا أعرف أي شئ يثبت أن الحياة الأخرى ليست أكثر من أمنية.

  • محاولة إضفاء صفة العدل للإله الخالق عند الإبراهيميين: وبالتالي يتم إقناع الفقراء والمستضعفين بالخنوع والرضوخ أكثر وأكثر في هذه الحياة على أمل أن الله سيعطيهم الجنة في الحياة الأخرى. وأيضاً بهذه الطريقة سيتم إقناع الأغنياء بالعطاء والتبرع لدعم (الله) والتكفير عن شرورهم (ثلاثية الأبعاد). هذا الإدعاء ليس أكثر من فراغ فكري تام، فكيف يمكن وصف الإله الإبراهيمي بالعدالة رغم كل عدم المساواة الحادث أمامنا في هذه الحياة وعبر كل مراحل التاريخ الإنساني؟ فليس هناك شخصٌ واحدٌ على وجه الأرض لم يشعر ولو لمرة واحدة على الأقل أنّه يستحق أفضل من هذا. وهذا الشعور الملموس لوحده سيكون كافياً لتحطيم فكرة العدل الإلهي. ولكني أدعوكم لقراءة الكتب المقدسة لهذه الأديان، إبتداءً بالعهد القديم وإنتهاءٍ بالكتاب الأقدس للبهائية ومروراً بالعهد الجديد والقرآن، وستجدون كل أنواع الظلم والتبكيت والإحتقار والطغيان، من القتل لخصوم الدين، إلى قتل حتى الحيوانات والأطفال، مروراً بتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، وصولاً لشريعة العبيد والأماء المختلفة عن شريعة الأحرار، وحتى أحكام الميراث والقيمومة والشهادة والعمل. فأين العدل في كل ذلك؟ فإن كان هذا الإله غير قادر على توفير العدالة في حياتنا هنا، فهل سيتمكن من توفيرها في الحياة الأبدية؟ وما الدليل على ذلك؟ وعلى فرض الجدل، كيف سيحل المؤمنون إشكالية الجبر والإختيار؟ فعلى كلا التصورين سيختفي العدل الإلهي، فلو كان الإنسان مجبوراً فلا معنى لمعاقبته أو حتى لتكريمه، ولو كنا مخيّراً فلا معنى لمعاقبته بوجود حرية الإختيار لأن الإله كان لابد أن يكون عالماً مسبقاً بما كان سيفعله ذلك الشخص من خلال حرية الإرادة التي منحها له الإله، وتركه حراً ليسئ لنفسه وللآخرين لايعني سوى إنعدام الحكمة الإلهية.
  • تجربة قرب الموت: يحاول بعض الباحثين (المؤمنين) إثبات أن هناك حياة بعد الموت بشكل تجريبي، من خلال تجارب وبحوث سريرية يجرونها على من لهم تجارب مع الموت أو ما يعرف بتجربة تقترب من الموت (Near Death Experience). ويعتمدون على روايات بعض هؤلاء الأشخاص لتؤكد لهم وجود إحتمالية عالية لحياة بعد الموت. وبسبب كونهم في الغالب من أصحاب الرأي المسبق، فأغلبهم لايبحث من أجل العلم والمعرفة بشكل مجرد وموضوعي وإنما يبحثون لإثبات تصور أو نظرية مسبقة لديهم. فالقصص التي يروونها نقلاً عن هذه العيّنات (الإشخاص الذين مرّوا بتجارب قرب الموت) ليست إلا تأكيداً لرؤى دينية، وفي الغالب إبراهيمية، كرؤية شريط الحياة، أو رؤية من يحيطون ويقفون حولهم (من خارج جسدهم)، أو الاحساس بأنهم ينسحبون إلى الأعلى، أو الضوء الأبيض الساطع، أو رؤية أشخاص ذوي أجنحة…ألخ. كل ذلك (على فرض الأمانة البحثية) لايعدو أن يكون إما هلاوس أو أحلام وكوابيس يتعرض لها المريض (الشخص الذي يعاني من تجارب قرب الموت)، فكلنا سمعنا ذلك من قبل سواء في الكتب أو الروايات أو عن طريق المجتمع من هنا وهناك، فهذه المعلومات كلها معلومات مبذولة وبدون تأكيد. وهذه التجارب التي يقوم بها هؤلاء الباحثون (يبلوها ويشربوا ماءها). فالتحدي الحقيقي هو أن يأتوا بشخص ميت من قبل سنين ويحيوه كما هو هو (كما كان يفعل المسيح في الميثولوجي المسيحي عنه) ونسأل ذلك الميت عمّا رآه هناك. ومن ثم نعيد التجربة مرة وإثنين وثلاثة ومائة وألف ومائة ألف ونجمع كل الروايات ونقارن بعضها ببعض لنعرف كيف نحدد رأي أكثر صلابة في هذا الموضوع. وبإختصار فتجارب قرب الموت لاتعني أبداً وجود حياة بعد الموت.
  • الاستنساخ (Reincarnation): يعتمد بعض المؤمنون المعاصرين على مثل هذه الحجة معتبرين إياها دليلاً لوجود حياة بعد الموت. يعتمد هؤلاء على بعض القصص التي تدعي أن هناك بعض الأطفال قد أخبروا عن قصص حقيقية حدثت لشخص آخر قد غادر الحياة، ومن خلال هذه الحالات يتصورون أن ذلك الطفل هو هو الشخص المتوفي نفسه ولكنه قد عاد إلى الحياة من جديد في صورة هذا الطفل، وبالتالي يعتقدون بأن هنالك ثمة حياة بعد الموت. ويشكل على هذه الحجة من زوايا عديدة منها أن كل هذه القصص لم تثبت وتحلل وتختبر بشكل علمي دقيق، فحتى الآن العلم لم يحدد موقفه الصريح منها ولا من مدعيها ولا من آلية نجاح بعض الأطفال من ذكر هذه التفاصيل. الإشكال الآخر أن القصص في الأغلب الأعم تحدث مع أطفال صغار سن، حيث يسهل تعريضهم لعمليات غسيل المخ من قبل أي شخص. الإشكال الآخر هو أننا لو سلمنا جدلاً وقوع الإستنساخ فسيظل نفس الإشكال قائماً حيث أن الإستنساخ لايثبت بالضرورة وجود حياة أبدية وجنة وجحيم.

ويبقى موضوع ما بعد الموت بدون حل لنا جميعاً فنحن لم نقابل أشخاصاً عادوا من الموت بعد سنوات طويلة ليخبرونا بما رأوا هناك (هذا لو صح إستخدام كلمة هناك).