لم تخسر داعش في الموصل أو في الفلوجة.. ولم تنكسر في تكريت أو في الرمادي، خسارة داعش إبتدأت من سنين طويلة، بدأت يوم قرر شيخهم السطو على قافلة قريش قرب آبار بدر.. داعش خسرت يوم أعدمت سبعمائة أسيرٍ أعزل من قريظة بما فيهم من شيوخ وأطفال.. داعش إنكسرت حينما قرر زعيمهم إرسال تلك الرسائل الحمقاء الى ملوك العالم يخيرهم بين الرضوخ إليه أو دفع الإتاوة أو الإيذان بحربٍ خرافية. هنالك بدأ الإنكسار.
فالبغدادي وجنوده ليسوا سوى حلم خائب صنعه شيخهم قبل أكثر من أربعة عشر قرناً في صحراء العرب. إنكسار داعش حدث يوم علّمهم ثعلبهم أن لا يكون لديهم وطن… يوم قال لهم أنه أوتي ملك الشام والعراق وفارس. فلم يعد لديهم حقيقة، وعاشوا على تلك الأوهام. غزواً وأحتالاً وتكسيراً لشموخ الحضارات في تلك البلاد.
لم تكن داعش لتحطم آثار النمرود وآشور لو أنها نجحت بإحتلال العراق كله، ولكنها أدركت إنهزامها باكراً وقررت قتل ذلك التأريخ الشامخ بعظمته أمام فشلهم وخيبة إنكساراتهم اللامحدودة. فكما فعل إبن العاص بتركه لحضارة النيل كان اصحاب البغدادي ليتركوا آثارالعراق وسوريا كذلك لو أنهم نجحوا كما نجح إبن العاص. ولكنهم لم ينجحوا لذا فعلوا ما فعلوه. ولو لم ينجح من قبلهم إبن العاص لكان فعل ما فعلوه وكان قد حطم لقصر وأبو الهول، فقط ليكسر ذلك الشموخ الفرعوني الذي لم يستطع هو بكل إجرامه وشراسته القضاء على أولاده.
مايسطره أبناء سومر من بطولات في أرض الرافدين اليوم ليس إلا صفعة جديدة على وجه تلك الخرافة الخرقاء. أبناء سومر الآن أمام خيارٍ تأريخي كبير، لن يتكرر كثيراً، أمام خيارٍ سيعيدهم إلى أمجادهم التي فقدها الوطن منذ بضعة آلافٍ من السنين. نحن أمام خيار أن نلقِ بتلك الخرافات جانباً وأن نبنِ وطناً متحرراً من خرافاتِ الإقصاء البغيضة. مفتاح هذا البناء هو المصالحة الوطنية، وبناء مؤسسة تدير الوطن بعيدة عن التبعية البغيضة، منتمية الى حدباء الموصل بنفس درجة إنتمائها للوركاء و أور…
يجب أن لا يغريها أي إرتباطٍ آخر، لاشرقي ولا غربي، لاصحراوي ولا شمالي… فالارتباط الوحيد لديها هو الوطن… الوطن فقط…
بناء الثقة هو ما يحتاجه الوطن الآن، لإتمام سلسلة هزائم داعش مرة واحدة وللأبد. فهذا البناء الاخرق والمريض لابد أن يصطدم بصخرة الوطن والتأريخ. يجب أن نتعلم كيف نبني ثقة جديدة بين أبناء الحدباء وتلكيف والفرات وقلعة أربيل وشنغال وسومر… هذه هي ألوان العلم الذي يجب أن نعلِ رايته للأبد.
الحل هو بإعلاء كلمة الوطن دون أيِ شريكٍ آخر. قابعاً في السماء أو نائماً تحت التراب.. فلا واقع حقيقي أمامنا غير الوطن… به ننتصر ومن دونه ننكسر.
السؤال الموضوعي الان هو: من سيستطيع تقديم هذا الحل في خضم كل هذه المعمعات التي تحيط بالوطن، من ذئابٍ تريد إفتراسه، ومن حكومةٍ أثبتت على طول الوقت أنها ليست أكثر من مجموعةٍ من اللصوص، أجندتهم الوحيدة هي أن يكونوا مصاصي دماء، منبطحين لخصوم الوطن الحقيقيين.
العلمانيون هم من يستطيعون النهوض بهذه المهمة، فهم لا يملكون أجنداتٍ خرافيةٍ… ولكن شريطة أن يكونوا علمانيين حقاً… فلا يوجد علمانية وأن تطلب العون من إيران لإيقاف المد السُني، ولا معنى للعلمانية وأنت تطلب العون من الخليج لإيقاف المد الشيعي.
الوطن ليس لديه مدٌ وجزر يا سادة، الوطن نحن كلُنا بكل أخطائنا، ولن يفهم ذلك سوى العلمانيون الحقيقيون.