فتحت كالعادة أبواق المتكلمين من العلمانيين بعد موقف السعودية من مصر، فبين شاتم للسعودية وبين من يدعو لقطع العلاقات وغيرها، بل زاد بعضهم بالطلب من الرئيس المصري أن يصنع تحالفاً مضاداً على العكس
من السعودية كأن يذهب الى إيران على سبيل المثال (نكاية بالسعودية)، وبين من يشمت بالحكومة وإنجازاتها الضعيفة.
لست هنا لأعيب موقف أي شخص أو لأرفض أي رؤية لهذه المشكلة، كما إني لست هنا لأتدخل في الشأن المصري الداخلي، ولكني هنا لأتسائل بعض الشئ مع أصدقائي العلمانيين هناك. وأقول مالذي قدمه العلمانيون حتى الان؟! ماهي انجازاتهم هناك؟
فهم في “في أفضل أحوالهم” ليسوا أكثر من كاتبٍ هنا وآخرٌ هناك، يكتبون عن بعض الرؤى والتصورات الشخصية او بعضٍ من مشاعرهم وردود أفعالهم. بعضهم يكتب بخجل وآخر يكتب بوجل، غياب الرؤية المشتركة هو القاسم الاكبر بين الاغلب، القليلون فقط هم من استطاعوا التشخيص المبكر كالعظيم فرج فودة ومرسته الفكرية. يدعون للعمل المشترك ولكن أغلبهم وللأسف تمنعهم مستوياتهم العالية من (الأنا) عن التفكير بشكل منظم، وتمنعهم عن العمل بأسلوب مؤسسي مشترك. وقد يكون هذا هو القاسم المشترك لكل العلمانيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أغلب العلمانيين انشغلوا بأداء النوافل والمستحبات من تقديم مؤلفاتهم الجميلة ومقالاتهم الرائعة، ولكنهم تركوا الوطن ترعى به خيول المتطرفين من الإسلاميين، وخيول الدكتاتورية العسكرية.
همسة في أذن الشامتين (علمانيين وغيرهم): أنتم من انتخبتم ودعمتم هذه الادارة.
همسة في أذن الشاتمين (علمانيين وغيرهم): إنتظروا قليلاً … لسة بكير.
همسة في أذن الداعين لتحالف مع إيران (علمانيين وغيرهم): ليس هذا هو الحل.
برأيي أن المشكلة مع السعودية الان هي فرصة تأريخية للعلمانيين في مصر، إنقاذ الحكومة من شرك الوهابية السعودية بعد أكثر من 40 عاماً من الاحتلال. وليس من الخطأ وجود علاقة شراكة مع أي دولة وأي حكومة حتى وإن كان هناك خلاف آيديولوجي (فها هي الولايات المتحدة الحليف الاكبر للسعودية رغم الاختلاف الفكري والايديولوجي العميق بين الطرفين)، ولكن الفكرة أن تلك العلاقة لابد أن تكون علاقة شراكة وليس علاقة تابعية.
كلنا نعلم أن الحكومة المصرية تعاني من الكثير من المشاكل وأهمها المشكل الاقتصادي، ولاتنسوا أنها تعاني الكثير من المشاكل الدولية، والأمنية أيضاً. بل والحقوقية كذلك.
ليس الوقت لصناعة تبعية جديدة، باقتراح استبدال الشريك انت تقترف خطأ كبير وليس الوقت لتوزيع الشتائم على السعودية. وليس هناك وقت للشماتة والتهجم على الحكومة المصرية. فالتيار العلماني هناك أضعف من أن ينجح بإدارة البلد حالياً أو حتى في المستقبل القريب.
دعونا من المستحبات ولنقم بأداء الواجب ياسادة. أنتم أمام فرصة لا تأتِ كثيراً. لامجال لإضاعة هذه الفرصة، الواجب يقول: أننا يجب أن نقف مع الحكومة المصرية الان. يجب أن يقدم التيار العلماني المصري حلول متكاملة مبنية على معطيات الواقع الحالي.
من يتصور ان العلمانيين قادرين على مسك زمام الامور في مصر، في تصوري هو واهم. هذا ليس وقت ذلك وليس هناك قدرة على الأرض بهذا المستوى، فالتيار الاسلامي هو الاكثر والاقوى على الأرض. “واللي ميشوفش من الغربال يبقى أعمى”. وقد يكون هذا هو السبب الرئيس الذي يجعل من كل الحكومات الدكتاتورية والحكومات السلطوية في دول الاغلبية الاسلامية تلجأ للتحالف مع الاسلاميين.
ليست هناك أي فرصة لكي نضيعها لإنقاذ مصر من أيادي الاسلاميين. فثورة 30 يونيو التصحيحية هي بأمس الحاجة الان لتقويم المسار من جديد. والتحالف مع الحكومة وتقديم كل سبل الدعم الان هو الحل.
العلمانيون المصريون يملكون من الخبرات ما يكفي لتقديم مشروع إقتصادي وسياسي ينقذ البلد في هذا الظرف الصعب، ولو كان المشروع بشكل نظري. ولكني أرى أن الواجب الان هو أن يتقدم العلمانيون بمشروع وطني متكامل مبني على أساس متين ووثيق وواقعي، يقدم للحكومة المصرية ليكون خارطة طريق لإنقاذ مصر من الوضع الحالي، وهو الناتج الحتمي لترسبات 40 سنة من الاخطاء السياسية القاتلة.
بحسبة بسيطة ستتفق معي عزيزي العلماني المصري أنك الان غير جاهز لتقديم البديل السياسي. و لكن الفرصة المتاحة الان هو ان تكون البديل للتيار الاسلامي بعلاقة الشراكة مع الحكومة. وقد يرى البعض صعوبة ذلك، لصعوبة صناعة زخم شعبي مؤيد للعلمانية. ولكن العلمانيين حتى الان على الاقل لم يتقدموا بمشروع سياسي وإقتصادي واضح المعالم.
ما أراه هو أن الفرصة الكبيرة المتاحة الان لتأدية الواجب الوطني، هي تقديم برنامج إنقاذ للبلد لصالح الحكومة المصرية. وأن تثبتوا للجميع بما فيهم التيار الاسلامي أنكم ترون الوطن قبل أي شئ. فلا معنى للديموقراطية في بلد يتعرض للانهيار. الفرصة ليست طويلة وليست مفتوحة، فالإدراة المصرية ستضطر لمصافحة أي عرض يقدم لإنقاذ الوضع الحاضر.
ماهو الحل؟
إقتصادياً، أرى ان يبنى الحل على التقليل من التبعية الاقتصادية للخارج. وبناء إقتصاد يدعم الإستثمار الداخلي والخارجي، لامعنى لتعريض رؤوس الأموال المصرية والأجنبية العاملة هناك لكثير من الضغوط (خصوصاً الأمنية). يجب إعطاء فرصة أكبر للشركات المتوسطة الحجم والصغيرة. محلية كانت أو أجنبية. نعم قد تكون لدى الحكومة المصرية مخاوف أمنية من دخول رأس المال الأجنبي للبلد، ولكن الوقت مناسب جداً لدعم عولمة الإقتصاد ولو بشكل تدريجي.
سياسياً، جاء الوقت لتعود مصر لتعود لمكانتها المرموقة في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، وأن تثبت من جديد للعالم كله أنها البلد الأكبر هناك، وأنها محور لحلول كل أزمات المنطقة. يجب ان يقوم العلمانيون بتقديم حلول سياسية تعيد لمصر وضعها الدولي المحترم والذي يليق بها وبتأريخها. أنا مدرك صعوبة هذا الحل لأن الحل الأمثل هو أن تتحول مصر إلى دولة ديموقراطية، تحترم الدستور، مبتعدة كل البعد عن (مقالب) الدكتاتورية المعتادة. وقد يكون العلمانيون أفضل من يستطيع تقديم حل واقعي لذلك.
وقد يكون الإنسحاب من التحالف ضد اليمن أمر ضروري. والتعاون مع العراق بشكل واضح وظاهر للجميع أمر ضروري جداً، بل قد ينفع لو تقدم المصريون بإقتراح أمني وعسكري لصالح العراق تكون فيه مصر شريكاً للعراق بدل الشريك الايراني الذي لم يخدم العراق كثيراً، ويكون بديلاً عن اللاعب التركي المدلل والمزعج. التدخل في وضع حل وخارطة طريق للقضية السورية، فمصر وسوريا لهما من التقارب الكثير الكثير. الفكرة مما تقدم هي إعادة مصر لمكانتها الاقليمية والدولية.
ولا ننسى الوضع الأمني الداخلي واليات التعامل معه. فمصر تتعرض للكثير من الهجمات الإرهابية، وغياب الحل الأمني الجذري سيبقي الوضع الاقتصادي والسياسي بدون إستقرار. وقد يضم المشروع رؤية أمنية لمصر يكون العلماني فيها شريكاً وداعماً ومراقباً في نفس الوقت. فكلنا يعلم الاعيب ومقالب سلطوية الحكومات في جغرافية النطق باللغة العربية.
مما تقدم يا سادة انتم بحاجة الى إنهاء “الانا” الان، والعمل بعقلية الوطن والمصير المشترك. أنتم بحاجة الى أداء الواجب الوطني هذا اليوم قبل أداء النوافل والمستحبات المعتادة.