The Confused Morality of the Modern Left Why Criticizing Islam Is Not Racism - Arabic

كفى اتهامًا بالعنصرية: الإسلام فكرة وليـس عِرقًا

 

في الخطاب المعاصر، برز اتجاه مقلق، لا سيما بين التقدميين والمثقفين ذوي الميول اليسارية: إذ بات الكثير من التقدميين يخلطون عن جهل بين نقد الإسلام والتمييز العنصري. ترى التيارات اليسارية أن أي تحليل نقدي لتعاليم الإسلام أو عاداته الثقافية هو بحد ذاته تعبير عن التعصب والكراهية للأجانب والعنصرية ضد ذوي البشرة السمراء. هذا الكسل الفكري، المقترن بالجبن الأخلاقي، خلق بيئة مشوهة وغير نزيهة تعيق النقاش الجاد حول مواضيع جوهرية مثل الدين، والحرية، وحقوق الإنسان.

ويكمن جوهر هذا الالتباس في الاعتقاد بأن نقد العقائد الإسلامية أو الأيديولوجيات غير الغربية هو تلقائيًا فعل عنصري ضد العرب أو شعوب الشرق الأوسط. لكن هذا الافتراض يعكس ازدواجية خطيرة في المعايير، فالإسلام ليس عِرقًا بل منظومة عقائدية يتبعها أفراد من أعراق وجنسيات متنوعة. فالعلماء الذين ينتقدون المسيحية أو التقاليد الكاثوليكية أو اليهودية نادرًا ما يُتهمون بالعنصرية أو بمحاولة فرض هيمنة ثقافية. أما حين يكون الإسلام هو محور النقاش، تنهض جدران دفاعية سريعة لتصم كل من يجرؤ على انتقاده بأنه كاره أو عنصري.

لنكن واضحين: الدين ليس إلا مجموعة من الأفكار. الناس يستحقون الاحترام، أما الأفكار فلا. يجب على المجتمع أن يُخضع جميع الأفكار للتقييم، بغض النظر عن شعبيتها أو قداستها. فحماية المعتقدات الدينية من النقد هو نقيض لمبادئ المجتمع الحر والمنفتح. وعندما تُستخدم تلك المعتقدات لتبرير كراهية النساء، أو رهاب المثليين، أو العنف، أو القمع، أو الاستبداد السياسي – كما هو الحال في العديد من السياقات الإسلامية – يصبح نقدها واجبًا عقليًا وأخلاقيًا.

ويا للمفارقة: كثير من التقدميين يزعمون أنهم مناصرو حقوق النساء والمثليين وحرية التعبير، لكنهم حين يتعلق الأمر بالإسلام يتناسون تلك القيم ويتبنون شكلاً سطحيًا من التعددية الثقافية التي تخلط بين النسبية الأخلاقية والتسامح.

يتعرض الملحد الذي ينتقد الإسلام بشكل أوسع من نقده للأنغليكانية، مثلًا، للشكوك والاتهامات، وكأن تركيزه هذا يعكس كرهًا دفينًا للعرب أو للمسلمين. لكن هذا الادعاء ينهار عند أول تمحيص. لا أحد يتهم باحث السرطان بأنه “كاره للبشر” لأنه يركز على سرطان الرئة أكثر من سرطان الجلد. كذلك، فإن الملحدين أو المفكرين العلمانيين قد يركزون على الإسلام ببساطة لأنه أكثر قوة وتأثيرًا في حياة الناس اليوم مقارنة بديانات أخرى، ويسيطر على حياة أكثر من مليار إنسان، وتفرض في عدة بلدان إسلامية أحكام الإعدام على المرتدين أو المجدفين. هذا ليس تفصيلًا لاهوتيًا هامشيًا، بل مسألة حياة أو موت.

ما الذي يدفع الكثير من اليساريين إلى الدفاع التلقائي عن الإسلام؟ ربما يكون الدافع نية صادقة في حماية الأقليات من التمييز والكراهية، وهو شعور مفهوم في عالم ما بعد الاستعمار الذي لا يزال يعاني من إرث الإمبريالية الغربية. لكن النوايا الحسنة لا تضمن النتائج الجيدة. والنتيجة هنا هي تحويل مجتمعات بأكملها إلى كيانات طفولية يُفترض أنها غير قادرة على تحمّل النقد الفكري كما تفعل المجتمعات الأخرى.

هذا النوع من “التضامن” الزائف يولّد ضررًا أكبر من الدعم الحقيقي. فرفض اليسار الغربي توجيه النقد للأنظمة القمعية الدينية يسهم في إسكات أصوات مهمة داخل المجتمعات الإسلامية، من مرتدين، ومصلحين، ونسويات، ونشطاء حقوق الإنسان، الذين يخاطرون بحياتهم من أجل مقاومة هذه الأنظمة. إذا كنت تزعم أنك تقف مع المظلومين، فعليك أن تقف مع الذين يقاومون القهر، لا مع الأيديولوجيات التي تبرّره.

وأنا لا أتكلم هنا من موقع خارجي.

أنا شخص عربي، ذو بشرة سمراء، لغتي الأم هي العربية، وتعمقت سابقًا في الدراسة الشرعية الإسلامية، فقد كنت رجل دين. لم تأتِ انتقاداتي للإسلام من فراغ أو كراهية، بل نتيجة فهم عميق ودراسة طويلة انتهت إلى خيبة أمل فكرية وأخلاقية. لم أترك الإسلام بدافع رغبة في التغرب أو التودد إلى جمهور أبيض وهمي، بل لأنني لم أعد قادرًا على التوفيق بين تعاليمه وبين العقل، والأخلاق، والحرية الشخصية.

هل يجعلني هذا عنصريًا؟ هل يُتهم من يرفض الاستبداد الديني بأنه يكره نفسه كعربي؟ هل سيرضى اليسار عني إذا كتبت مقالاتي بالعربية فقط؟ هل سيشعرون بالارتياح إذا عبرت عن آرائي بلغتي الأم، حيث لا يستطيع الغرب فهمها ولا مجادلتها؟

هذه الأسئلة تسلط الضوء على التناقضات العميقة التي نعيشها. اليسار المعاصر يدّعي دعم “تجربة الحياة الشخصية”، لكنه يتخلى عنها بمجرد أن تتعارض مع مبادئه الأيديولوجية. وعندما يروي مرتد عن الإسلام تجربته الذاتية، يُرفض ويُتهم بأنه ضحية “الاستعمار الداخلي” من قبل من يرفضون سماع الحقيقة.

القيم التي تتبناها المجتمعات الليبرالية – من حرية التعبير إلى كرامة الفرد – ليست حكرًا على الغرب، بل هي تطلعات إنسانية عامة. الادعاء بأن نقد الإسلام يعني كراهية “أصحاب البشرة السمراء” هو تهافت فكري وإهانة لملايين الأشخاص ذوي البشرة السمراء الذين لا يريدون سوى أن يعيشوا في مجتمعات حرة، عقلانية، وعادلة.

سؤال مثل “لماذا تكرهون أصحاب البشرة السمراء؟” ليس سوى وسيلة رخيصة لإسكات الحوار بدلاً من تعزيزه. هو اتهام خبيث يُراد به تشويه نوايا المنتقدين، رغم أن دافعهم الحقيقي هو الالتزام بكرامة الإنسان، وحريته، وحقه في التفكير والنقد. بهذه الطريقة، لا تُبنى الجسور بل تُهدم.

إن كان لليسار أن يستعيد دوره كقوة من أجل التقدم والعدالة، فعليه أن يسترجع شجاعته في انتقاد كل الأيديولوجيات – بما فيها الدينية. فالنضال من أجل حقوق الإنسان لا يجب أن يتوقف عند حدود الحساسية الثقافية. وفي معركة العقل ضد الدوغما ، فإن الصمت لا يُعد فضيلة، بل خيانة.