لماذا أنا ملحد الجزء الثاني

لماذا أنا ملحد؟ الجزء الثاني – الله

 

الضلع الأول: الله والوحدانية

 الإيمان بالإله الخالق الواحد الإبراهيمي (سواء كان يطلق عليه ياهوه أو الله) هو الأساس المشترك الأكبر بين الأديان الأربع، لذا يعتبر الضلع الأهم في مثلث الإيمان الإبراهيمي. وكل دعوات هذه الأديان قامت أساساً للدعوة إلى الإيمان بالله، لكن ورغم كل ذلك لاتجد هذه الأديان تتفق على صفات ذلك الإله لا من قريب ولا من بعيد. فعلى سبيل المثال منهم من يعتقد أن الاههم يسكن في السماء، ومنهم من يظن أن المؤمنين سيستطيعون النظر إلى ذلك الإله بعد دخولهم الجنة، ومنهم من يراه في كل شئ وإتجاه حتى في الحمام وما يخرج من الانسان (بحسب تلك القاعدة). ومنهم من يراه قادراً على فعل كل شئ حتى الشر، ومنهم من يراه غير قادر على فعل الشر، ومنهم من يقوم بتصنيف الشر الى نوعين مضحكين: شرّ شرير وشرّ لابد منه فهو ليس شراً شريراً. وغير ذلك الكثير من الإختلافات التي لا تهمني كثيراً في هذا المقال، حيث أني أناقش إحتمالية وجود ذلك الإله من عدمه ولست هنا لمناقشة مواصفاته (أو صفاته).

فحين يأتي المؤمنون ليقولوا بوجود الله، داعين الاخرين للإيمان بهذا الإله، وقبل أن يلزمونا بما ألزموا به أنفسهم، عليهم الإجابة عن الاسئلة التالية: ماهو الله؟ ولماذا يجب أن يكون ثمة الله؟ ومتى كان هذا ال (الله)؟ كيف كان الله؟ وأين هو هذا ال (الله)؟ كيف تثبت أن هنالك ثمة إلله دون اللجوء للإيمان بما هو لاعقلاني؟ وكيف يمكننا إثبات هذا الإله؟

دعونا نتحدث بشكل مقتضب ومختصر عن أهم أدلة المؤمنين، فهم يقدمون العديد من الأدلة والتي دَرَستُها، ودرَّستها، بشكل متخصص ومكثّف. ذلك لأني (ولمن لا يعرفني) سبق وأن كنتُ رجل دين مسلم (شيعي) ومن ضمن إختصاصي كان دراسة وتدريس علم العقيدة المقارن. وأؤكد على ما يلي:

أولاً: أني هنا لن أطيل بالرد على أدلة الإبراهيميين فهذا ليس الغاية من هذا المقال، فالغاية من مقالي هي الحديث عن لماذا رفضتُ أنا شخصياً فكرة وجود إله. ولو ذهبت للرد على أدلة الإبراهيميين فإن المقال سيخرج من هدفه، وسيطول بلا فائدة مرجوة.

ثاياً: أن كثرة أدلة الإبراهيميين على وجود ووحدانية خالقهم لا تعني سلامة نظريتهم، لذا أنا سأتحدث عن أهم وأقوى أدلتهم فقط، أما الادلة الضعيفة والتي أصنفها على أنها أدلة حشاشين (لأنها أدلة جاهلة) فلن أضيع وقتي ولا وقتكم بالتعريج عليها أصلاً.

ثالثاً: أني سأتعامل مع الإبراهيميين بشكل عام، مبتعداً عن تصنيفاتهم التي لا تعنيني بشئ. بمعنى أني سأعرج على الأدلة دون تمييز أن يكون هذا الدليل يهودياً أو مسيحياً أو إسلامياً أو بهائياً.

أستطيع إختزال الأدلة الإبراهيمية على وجود خالق والتي أراها أنها تستأهل الوقوف عندها (نوعاً ما) بثلاثة أدلة فقط، أما باقي الأدلة فأكرر أنها كلام يهين العقل الإنساني بالدرجة الاولى ومن المعيب أصلاً الوقوف عندها.

والأدلة الثلاثة هي:

1- دليل الصانع والمصنوع ويسمى أيضاً بدليل السببية أو السبب والنتيجة.

2- دليل الوجود (واجب وممكن وممتنع الوجود).

3- دليل التصميم الذكي.

 

دليل السببية:

فعلى سبيل المثال في دليل الصانع والمصنوع، يقول بعض الابراهيميين على سبيل المثال بأن البعرة تدل على البعير، ومن تلك البعرة يتوصلون إلى أن هنالك خالق لهذا الكون. هذا هو ما يسمى بدليل السببية وهو قانون فيزيائي، يقول أن لكل شئٍ سبب ولكل سبب نتيجة، وبالتالي من خلال هذا التسلسل يحاولون الوصول الى وجود سبب أول عام دون أن يكون ذلك السبب نتيجة لسبب سابق.

 ولكني سأجيب عنه بالسؤال بالتالي: ما وراء ذلك الصانع؟ كيف جاء وما كان قبله وما سببه؟ ولماذا تم إستثناءه هو فقط من قانون السببية؟ ففرض ازلية المادة أسهل علمياً وعقلياً، وأيضاً إستثناء الاله عن القانون يبطل القانون نفسه. ولو قالوا ان لكل قاعدة شواذ إذن فنحن لا نتكلم عن قاعدة هنا ولا معنى لاستخدام قانون السببية لوصول لشئ خارج عن هذا القانون أصلاً.

كتب ديفيد ميلز David Mills  في كتابه الكون الملحد (ATHEIST UNIVERSE)

But, by believing that the laws of physics cause the behavior of the universe, creationists overlook the need for pursuing genuine causal explanations. For example, if I ask why a rock thrown skyward soon falls back to Earth, it would be meaningless to respond, “It’s the law of gravity.” “Gravity” or “the law of gravity” is simply the name and description we assign to the observed phenomenon. The true, underlying reason why all objects in the universe attract each other is, to this day, a baffling enigma. True, Einstein showed that massive objects distort space-time and produce gravitational effects. But why do massive objects distort space-time? Such questions are still unanswered, and are by no means addressed by saying “It’s just the law of gravitation.” A physical law, then, is a man-made description, rather than a causal explanation, of how the universe consistently behaves.

 The so-called “Law of Cause-Effect,” often employed by creationist writers and speakers, is a philosophical and theological plaything, rather than an established law of the physical sciences. Likewise, the “Law of Cause-Effect” provides no explanation to any scientific problem or question. Suppose, for example, that my car fails to run properly, and I have it towed to a garage for repair. I ask the service technician why my car will not operate. If the service technician replied, “It’s just the law of cause-effect again,” I would certainly feel that he was giving me the run-around, and that his “explanation” was totally empty. A realistic scientific explanation might be that my spark plugs are disconnected; that the gasoline therefore cannot be ignited; that the engine therefore cannot rotate the drive shaft; that the rear axle, attached to the drive shaft, cannot be rotated; and that the wheels, connected to the axle, have no current means of forward propulsion. A genuine scientific explanation, then, incorporates specific mechanistic relationships and interactions. Any argument, thus, that appeals blindly to the “Law of Cause-Effect,” without filling in the blanks, is likewise an argument totally empty of scientific content.

الترجمة:

ولكن ، من خلال الاعتقاد بأن قوانين الفيزياء هي التي تسبب سلوك الكون ، فإن الخلقيين يتغاضون عن الحاجة إلى السعي وراء تفسيرات سببية حقيقية. على سبيل المثال ، لماذا تسقط الصخرة المرمية نحو السماء بسرعة على الارض ، فلن يكون هناك معنى للرد لو قلت ، “إنه قانون الجاذبية”. “الجاذبية” أو “قانون الجاذبية” هو ببساطة الاسم والوصف الذي نخصصه للظاهرة المرصودة. السبب الحقيقي الكامن وراء جذب جميع الأشياء في الكون لبعضها البعض هو ، حتى يومنا هذا ، لغز محير. صحيح أن أينشتاين أظهر أن الأجسام الضخمة تشوه الزمكان وتنتج تأثيرات الجاذبية. لكن لماذا تشوه الأجسام الضخمة الزمكان؟ لا تزال مثل هذه الأسئلة بلا إجابة ، ولا تتم معالجتها بأي حال من الأحوال بالقول “إنه مجرد قانون الجاذبية” إذن ، القانون الفيزيائي هو وصف من صنع الإنسان ، وليس تفسيرًا سببيًا ، لكيفية تصرف الكون باستمرار. إن ما يسمى بـ “قانون السبب والنتيجة” ، الذي يستخدمه غالبًا الكتاب والمتحدثون الخلقيون ، هو لعبة فلسفية ولاهوتية ، وليس قانونًا راسخًا في العلوم الفيزيائية. وبالمثل ، فإن “قانون السبب والنتيجة” لا يقدم أي تفسير لأي مشكلة أو سؤال علمي. لنفترض ، على سبيل المثال ، أن سيارتي لا تعمل بشكل صحيح ، وقد قمت بقطرها إلى مرآب لتصليحها. وسألت فني الخدمة عن سبب عدم تشغيل سيارتي. إذا أجاب فني الخدمة ، “إنه مجرد قانون السبب والنتيجة مرة أخرى” ، سأشعر بالتأكيد أنه كان يعطيني جولة ، وأن “تفسيره” كان فارغًا تمامًا. قد يكون التفسير العلمي الواقعي أن شمعات الإشعال الخاصة بي مفصولة ؛ لذلك لا يمكن إشعال البنزين ؛ لذلك لا يمكن للمحرك تدوير عمود الإدارة ؛ والذي يتصل به المحور الخلفي ، المرفق بعمود القيادة ، وبالتالي لا يمكن تدوير المرفق ؛ وأن العجلات ، المتصلة بالمحور ، ليس لها وسائل دفع أمامية حالية. إذن ، يتضمن التفسير العلمي الحقيقي علاقات وتفاعلات آلية محددة. وبالتالي ، فإن أي حجة تناشد بشكل أعمى “قانون السبب والنتيجة” ، دون ملء الفراغات ، هي أيضًا حجة خالية تمامًا من المحتوى العلمي.

*****

دليل الوجود:

يذهب الإبراهيميون أيضاً لدليل يسمى بدليل الوجود فيوضحون إمتناع الدور والتسلسل ليثبتوا من خلاله ضرورة وجود الخالق لتتحقق بداية الحياة وإلا لكانت البداية مستحيلة. وأن ذلك الخارج عن القاعدة هو واجب الوجود لتكوين السلسلة وتحقق الحياة والخلق. هذا الواجب الوجود سيكون خارج الفيزياء والوقت والرياضيات وخارج كل القوانين الطبيعية.

غاب عن الإبراهيميين أن العقل الانساني لايمكنه تصور واجب الوجود بحسب أطروحتهم تلك، تماماً كما لايمكنه تصور العدم. فما هو تعريف العدم؟ وما هو تعريف واجب الوجود؟ المؤمن لايمكنه إيجاد تعريف منطقي لهذين المصطلحين. وهنا فاصطلاح إنعدام شئٍ ما لايمكن للعقل الإنساني إدراكه، ونتيجةً لذلك يتعذر عليه تعريفه. كما هو الحال في واجب الوجود. والتعريف المشهور عند متكلمي الأديان الابراهيمية لواجب الوجود على أنه “ما لا يحتاج في وجوده لغيره”، لايعدو أن يكون سفسطة لغوية لا أكثر. وهذا هو تعريف إبن سينا الفيلسوف المسلم (في برهان الصديقين) والذي يشابه تماماً تعريف الفيلسوف اليهودي القروسطي موشي بن ميمون والشهير ب (Maimonides) (في كتابه دليل الحائر The Guide for the Perplexed). وتعرفيهم أعلاه يتناقض مع شروط التعريف الأرسطي السليمة (التي يعتمدها كلاهما)، ومن هذه التناقضات:

أ- أن تعريف واجب الوجود بأنه ما لايحتاج في وجوده لغيره، ليس أوضح مفهوماً وتصوراً عن المعرَّف، فهو لم يوضح الماهية، ولا نوع الإحتياج، ولا الغيرية.

ب- أن التعريف أعلاه هو عين المعرَّف في المفهوم، فالابراهيميون يعتقدون أن واجب الوجود هو شئ واحد دون مثيل ولا شبيه (الوحدانية). إذن تعريفه لايعدو أن يكون عين المعرّف ذاته. فهم كمن يعرف أن الانسان هو البشر.

ج- وقوع الدور في التعريف، فنحن كي نفهم تعريف واجب الوجود سنكون بحاجة للمعرَّف ذاته، بسبب حجة الوحدانية وأن واجب الوجود هو واحدٌ.

يمكنك مراجعة كتاب علم المنطق لمحمد رضا المظفر وقراءة فصل شروط التعريف. ويمكنك أيضاً مطالعة شروط التعريف الأرسطي.

وعليه فشل الإبراهيميون بصياغة تعريف علمي فلسفي منطقي لمصطلح واجب الوجود. ما أحاول إيضاحه هنا أن نظريتي الشخصية هي (أن ما استحال تعريفه، إستحال تصوره. وما استحال تصوره إستحال فرضه). فإدراك أو فهم أو معرفة أي شئ خارج حدود القوانين العقلية أمر مستحيل، والعقل الإنساني كي يدرك بشكل سليم يحتاج الى علاقات زمنية وكيفية وماهية، وإلا فإن العقل الإنساني سيعجز تماماً عن إدراك ماوراء ذلك كله، وطالما أن المؤمنين يرون أن عقلهم توصل لإدراك خالقهم وتصوره، إذن فهم يعترفون وبشكل صريح على أن ذلك الخالق ليس إلا ممكن وجود آخر في سلسلة الوجود (على حد تعبيرهم)، ولايمكن أن يكون هو هو ذلك الواجب الوجود المزعوم.

دليل التصميم الذكي:

يطلق على هؤلاء أحياناً بالخلقيين، وهم يعتمدون في ارائهم على دليلين أو طريقين:

الأول: تعقيد الجسم البشري وأغلب أجسام الحيوانات، وخصوصاً العين (البشرية تحديداً) فهم يولونها أهمية كبيرة لتعيقدها.

الثاني: الإنضباط العالي للنظام الفيزيائي للكون، وأن هذا الانضباط لو إختلف بمقدار عُشر بالواحد بالمائة لأختل النظام بالكامل. 

مما تقدم أعلاه فإن الخلقيين يريدون التوصل إلى أن تعقيد الكون والكائنات يدل بالضرورة على إستحالة تكونها من لاشئ وأن الحل الأمثل هو وجود إله خالق ذو قدرة وعلم وحكمة لا متناهية لكي ينتج هذا التعقيد.

يعد الكاتبان ويليام بيلي William Paley (إنجليزي1743 -1805) و مايكل بيهي Michael Behe ( أمريكي ولد في 1952) من أبرز الخلقيين الذين كتبوا عن التصميم الذكي. وما يميز طرحهما هو أنهما يعتقدان أن أي نقص في مركبات تكوين اي شئ من جسم الكائن سيؤدي بالضرورة الى بطلان أو عدم عمل ذلك الجزء.

الخلقيون يعتقدون أن من المستحيل للعين عند الإنسان (مثلاً) أن تصل إلى هذا المستوى من التعقيد دون أن تكون مصنوعة من قبل خالق. فالخلقيون يروق لهم جداً إستخدام مصطلحات علمية كبيرة كي يبينوا أن لطرحهم وزن أكاديمي ما. وهي لغة وأسلوب معتاد من (بياعي الكلام). ولكنهم في الواقع يعانون بشدة من جهل مركب فهم يعاملون الكشف العلمي باسلوب الثيولوجيا وعلم الكلام، وبالتالي سيفشلون دائماً بتبني موقف علمي موضوعي أكاديمي. وحيث وكالعادة يهمل الخلقيون الدراسات العلمية المختبرية ويركزون على ملاحظات شخصية. أهمل الخلقيون بكلامهم عن العين آلية التدريج التي نمت بها الكائنات عبر ملايين السنين بل ومليارات من السنين. فالعين لم تصل الى هذا المستوى بخطوة تطور واحدة. وقد لا نستغرب من طرحهم حيث يعتقد الخلقيون أن عمر الأرض لايتجاوز 6 الاف عاماً وفي بعض الاراء 15 الف عاماً (معتمدين على كتبهم المقدسة)… أما نحن فإننا نتكلم عن أرض بعمر يصل الى قرابة 5 ونصف مليار سنة. المضحك جداً أنهم يرون أن عمر الأرض إبتداءً أصغر حتى من عمر السلالة الحالية للإنسان (الهوموسيبيان) والتي تصل الى 300 الف عام تقريباً. (للقراءة أكثر عن هذا الموضوع يمكنك عزيزي القارئ مطالعة كتاب وهم الإله للدكتور ريتشارد دوكنز خصوصاً الفصل الرابع والذي يناقش فيه ما يسمى بحجة البوينغ 747)

أما بالنسبة للكون والنظام الفيزيائي المعقد، فقد درسه ويدرسه علماء الرياضيات والفيزياء والفلك بشكل مكثفنأ(، وقد تكون نظرية الإنفجار العظيم (The Big Bang Theory) ، للفيزيائي البلجيكي جورج لوميتر George LeMaitre (1894-1966)، أفضل ما يوضح كيفية نشوء الكون. وإنه لمن سخرية القدر في قصة جورج لوميتر أن يكون قسيساً كاثوليكياً بجانب كونه فيزيائياً في نفس الوقت. وتعد نظريته (الإنفجار العظيم) الأكثر قبولاً وإنضباطاً عند أغلب الأعم من علماء الفيزياء والفلك. تشرح هذه النظرية وبشكل مكثف جداً كيفية نشوء الكون والمجرات بالكامل وبقواعد علمية وفيزيائية متينة.

في هذه الزاوية يحاول المؤمنون العودة لاستخدام قانون السبب والنتيجة ودليل الوجود والذين تطرقنا إليهما في أعلاه، ولكني أريد إضافة نقطة مهمة هنا وهي:

أن معرفة بسيطة لقوانين فيزياء الكم (Quantum Physics)  قد تبين الكثير عن نشأة الكون – والتي يصرّ الخلقيون المؤمنون على إنكارها. وقد يكون الكاتب ديفيد إيلير (David Eller) في كتابه الإلحاد الطبيعي (Natural Atheism) أفضل من بسّط علاقة تلك القوانين بتحطيم حجتي السببية والوجود. وبإختصار قوانين فيزياء الكم تثبت بما لايدع مجالاً للشك أن الكثير من الموجودات قد توجد من غير سبب (Cause)، وقد توضح بذلك نشأة الكون دون الحاجة لإله أو خالق أو واجب الوجود. (راجع كتاب الإلحاد الطبيعي لديفيد إيلير الفصل الأول ص 21-28) 

*****

 أود هنا أن أقتبس قول الكوميديان الأمريكي جورج كارلن:

I’ve been worshipping the sun for a number of reasons. First of all, unlike some other gods I could mention, I can see the sun. It’s there for me every day, and the things it brings me are quite apparent all the time: heat, light, food, reflections at the park—the occasional skin cancer, but hey! There’s no mystery, no one asks for money, I don’t have to dress up, and there’s no boring pageantry.

الترجمة: لقد كنت أعبد الشمس لعدد من الأسباب. بادئ ذي بدء، وعلى عكس بعض الآلهة الأخرى التي يمكنني ذكرها، يمكنني أن أرى الشمس. فهي متواجدة لي في كل يوم، والأشياء التي تجلبها واضحة تماماً طول الوقت: حرارة، ضوء، طعام، الظلال في الحديقة العامة – عرضياً سرطان جلد، ولكن مهلاً! لايوجد لغز، لا أحد يطلب المال، لست مضطراً لارتداء الملابس، ولاتوجد طقوس مملة. 

*****

إشكاليات تناقض وجود الإله الإبراهيمي

أولاً: تخفي الإله الإبراهيمي:

وما أقصده هنا هو أن الإله الإبراهيمي وبحسب وصف أديانه الأربعة له لايمكن إثباته، فهو متخفي بشكل تام. قد يقول المؤمنون أنّ الإله لابد أن يكون بعيداً عن الإثبات العلمي، أو الحسي لكي يكون هنالك قيمة للإيمان وحرية الإختيار الإنساني. (وهو ما يقوله ريتشارد سيونبيرن و آلسدير ماكنتاير). وقد ردّ (جون هيك) على مثل هذه الأطاريح بقوله: 

Verbal proof of God’s existence cannot by itself break down our human freedom. –

الترجمة:

لايمكن للدليل اللفظي، على وجود الله، وحده أن يكسر حريتنا البشرية.

لقراءة الردود الكاملة على مثل هذه الآراء الهزيلة راجع كتاب 

Atheism: A guide for the perplexed (Kerry Walters) Ch4, P.78.

ما يمكنني تلخيصه هنا هو أن إختفاء الإله له 3 إحتمالات:

1- عدم القدرة على الظهور: وهذا يتنافى مع القدرة المطلقة التي يصورها أتباع الأديان الإبراهيمية عن إللههم الواحد.

2- عدم الحكمة: لأن الإله الإبراهيمي بتصرفه هذا أخفى ماهو أحكم وأفضل وهو أن يكشف نفسه للناس جميعاً كي يؤمنوا به بما لايدع مجالاً للشك وبتقديمه المفضول (وهو الإختفاء) على الفاضل (الظهور) أصبح غير حكيم.

3- أن هذا الإله غير موجود. وهو الخيار الأكثر منطقياً وعلمياً.

ثانياً: تناقض صفات الإله الإبراهيمي:

بما يجعل من وجود هذا الإله أمراً مستحيلاً. للتوضيح وعلى سبيل المثال، أن القدرة المطلقة والحكمة المطلقة والرحمة المطلقة من صفات الإله الإبراهيمي (بإجماع الإبراهيميين)، ولكن هذه الصفات تحمل في طيّاتها ما ينفي وجود هذا الإله، دعوني أضرب لكم مثلاً هنا وهو المثل الأشهر لدارسي الفلسفة…

المثال يقول: هل يستطيع الإله أن يخلق حجراً بثقل لا يستطيع أي أحدٍ على حمله حتى الإله نفسه؟ السؤال قد يبدو بلا معنى ولكن على فرض الإجابة بنعم (بإعتباره قادراً على كل شئ) إذن فقدرته المطلقة ستنهي قدرته المطلقة فهو لن يستطيع أن يحمل ذلك الحجر. ولو كانت الإجابة بلا إذن فلا معنى لوجود قدرة مطلقة فهو لا يستطيع فعل ذلك. وبالتالي هذا المثال يثبت أن صفات الإله تناقض نفسها بنفسها مما يجعل من وجود هذا الإله مستحيلاً.

المثال الآخر على ذلك هو تناقض وإستحالة وجود العلم الإلهي المطلق، فعلى فرض التسليم بذلك، فالعلم عند الإله الإبراهيمي علم كامل وشامل ومطلق دون تقييد (بحسب جميع الأديان الإبراهيمية)، ولكن وفي نفس الوقت يتفق الإبراهيميون جميعاً أن إلاههم ليس إنساناً وليس بذي جسم على سبيل المثال، لذا يأتي السؤال كيف لهذا الإله أن يعلم ماذا تعني الشهوة الجنسية مثلاً وهو بدون جسم؟ وكيف له أن يعرف مذا يعني الإلم وهو بدون جوارح؟ وكيف له أن يعرف ماذا يعني الحسد وهو الغني عن كل شئ؟ والشجاعة؟ فهو عليم بكل شئ وقدير فهو لايحتاج الشجاعة مطلقاً. وغيرها الكثير. 

 ثالثاً: إشكالية المعاناة:

وقد تكون هذه من أصعب ما يواجه المؤمنين بشكل عام. حيث أن الإشكالية لاتتحدث عن الشر بحسب المفهوم الديني الإبراهيمي، إبليس مقابل الله، بل أن الإشكالية تتحدث عن نتاج طبيعي للحياة والكون، البراكين، الزلازل، الأمراض، الموت، الجوع، المرض. فلو كان هناك إلهٌ خيّرٌ فلماذا كل هذه المعاناة في عالمنا؟

وقد يكون ديستويفسكي (رغم كونه شخص متدين) من أفضل من لخص ذلك على لسان إيفان حينما يقول:

“أريد أن أرى بعيني الأسد مستلقيًا مع الحمل والرجل المقتول ينهض ويحتضن قاتله. أريد أن أكون هناك عندما يكتشف الجميع فجأة سبب [المعاناة]”

بدأت هذه الإشكالية بإسلوب فلسفي لأول مرة على يد أبيقور حيث وضعها على شكل إشكالية رباعية الإحتمالات (تتراديليما-Tertradelimma)، حيث إفترض أبيقور وجود 4 إحتمالات للإجابة عن هذه الإشكالية، وهذه الإحتمالات كما يلي:

  • أن الإله يريد إلغاء الشر ولكنه لايستطيع ذلك.
  • أن الإله يمكنه إلغاء الشر ولكنه لا يريد ذلك.
  • أنه لايريد ولا يتمكن من ذلك.
  • أنه يمكنه إزالة الشر وهو يريد ذلك.

على الفرض الأول سيتحتم على المؤمن أن يعترف بأن إلهه لايمتلك القدرة على ذلك، وبالتالي فهو ليس قديراً مطلقاً.

أما لو ذهبنا للفرض الثاني فعلى المؤمن أن يعترف بأن إلهه ليس إلهاً خيّراً، وقد تلتقي هذه الإجابة مع (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ) وهذا الأمر غير مختلف عليه بين كل الإبراهيميين. غير أننا لانتحدث بالضرورة عن شرور إبليسية، بل كما قدمت مسبقاً فنحن نتحدث عن المعاناة في هذا الكون.

وعلى العموم سأقوم بالحديث عن الشيطان – إبليس وشروره- في مقال منفصل قريباً.

على الفرض الثالث وهو الفرض الأكثر سوءً على المؤمنين، فالإله سيكون نسخة أو قد يكون هو هو الشر.

أما على الفرض الرابع وهو ما يتعين على المؤمنين الأجابة عليه. فلماذا لايزيل ذلك الإله كل هذه المعاناة؟

يحاول المؤمنون الإجابة عن ذلك بالحديث عن الشر الشرير والشر الذي لابُّدَّ منه، دعوني أوضح ذلك بعض الشئ:

حاول بعض المؤمنين التركيز على حجتين للرد على إشكالية المعاناة وهما:

  • الإرادة الحرة (Free Will) (فيستطيع الله أن يميز بين الخبثاء والطيبين)
  • الخطة الإلهية السرية (The Secret Devine Plan) )وعسى أن تكرهوا شيئاً)

فالثيولوجيون والكلاميون من الأديان الإبراهيمية يظنون أنهم بهذه الإجابات قد صنعوا بطاقة مرور (Free Pass) لإلههم فبالتالي هم لايحتاجون الإجابة عن إشكالية المعاناة. والواقع أنهم لم يجيبوا عنها بل بالعكس زادوا الطين بلّة. دعوني أوضح لكم كيف ذلك.

  • لامعنى من وجود إرادة حرة عند الإنسان فقط، فماذا عن الحيوان؟ لماذا تتعرض الحيوانات لشتى أنواع المعاناة (الطبيعية). ينقل كيري والترز (Kerry Walters)، في كتابه (Atheism A guide for the perplexed) الفصل السابع ص 86، عن دارون في مراسلاته حديثه عن نوع من أنواع الدبور الطفيلي والمسمى ب (The ichneumon wasp)

The ichneumon wasp, a beautiful and delicate creature, came to symbolize for Darwin the inherent cruelty of nature. The female of the species lays her eggs inside living caterpillars which she’s paralyzed with a sting. The larvae hatch inside the live caterpillar and devour it from the inside out. After describing this horribly carnivorous mode of birthing in a letter to Harvard biologist Asa Gray, Darwin concluded: “I cannot see, as plainly as others do, evidence of design & beneficence on all sides of us. There seems to me to be too much misery in the world.” In a later letter to Gray, Darwin returned to the theme: “An innocent & good man stands under [a] tree and is killed by [a] flash of lightning. Do you believe (& I really shd like to hear) that God designedly killed this man? Many or most persons do believe this; I can’t & don’t” (Darwin 1993, pp. 224, 275).

الترجمة:

لقد جاء دبور النمس ، وهو مخلوق جميل ودقيق ، ليرمز لداروين إلى قسوة الطبيعة المتأصلة فيه. تضع أنثى النوع بيضها داخل اليرقات الحية التي أصابتها بالشلل من خلال لدغها لها. تفقس اليرقات داخل اليرقة الحية وتلتهمها من الداخل إلى الخارج. بعد وصف هذا الوضع المفزع للولادة من الحيوانات المفترسة في رسالة إلى عالم الأحياء في جامعة هارفارد آسا جراي ، خلص داروين إلى أنه: “لا أستطيع أن أرى ، كما يفعل الآخرون ، دليلًا على التصميم والإحسان من جميع جوانبنا. يبدو لي أن هناك الكثير من البؤس في العالم”. في رسالة لاحقة إلى جراي ، عاد داروين إلى الموضوع: “رجل بريء وصالح يقف تحت شجرة ويقتل بوميض البرق. هل تؤمن (وأحب أن أسمع حقًا) أن الله عمد إلى قتل هذا الرجل؟ كثير أو معظم الناس يؤمنون بهذا ؛ أنا لا أستطيع ولا أؤمن بذلك “(داروين 1993 ، ص 224 ، 275).

  • أن الإله بذلك ليس إلهاً حكيماً مطلقاً، لأنه ترك الأفضل وهو حماية الكون والحياة من سوء إستخدام الإرادة الحرة. وما يدعيه المؤمنون من أن التدخل في الإرادة الحرة أسوء من عدم التدخل هو كلام باطل… للمثال: لو رأى الأبوان أن أبنائهم على وشك القيام بفعل مضر ولنقل مثلاً أن ألاطفال كانوا يلعبون بالنار، فسيقوم الأبوان بمنع أبنائهم عن مثل هذه الألعاب. فعقلياً ومنطقياً أن تصرف الأبوين أجدر وأفضل بكثير من ترك الأمور على حالها كي يتعرض الأبناء للحروق ومن ثم لنأمل أن يتعلموا درساً ما. فحماية الأطفال أولى بكثير من حريتهم غير الناضجة. ولكن الإله القادر المطلق قادر على صنع وسيلة من غير أن تمس حرية الإرادة… فعلى سبيل المثال نحن (الإنسان) نحاول دائماً الحوار والمناظرة مع أشخاص ومعتقدات مختلفة، ونحاول التأثير على إرادتهم الحرة من خلال الحوار، فيتأثرون ويتغير رأيهم في بعض الأحيان، ألا يستطيع الإله فعل ذلك أيضاً أو شئ من هذا القبيل. بالأضافة الى ان مثال الأباء والأبناء المتقدم لم يمس الإرادة الحرة بشئ، فهنالك فرق بين الإرادة والفعل، فما فعله الأبوان هو التأثير على حرية الفعل، أما إرادة الأطفال فكلنا نعلم وقد جربنا ذلك سواء مع آباءنا أو مع أبناءنا كيف يتم منعنا من أمور عديدة ولكن ذلك المنع لايؤثر برغباتنا شيئاً، والحال نفسه مع أبناءنا حينما نراهم كيف يمتعضون حينما نقوم بمنعهم من لعب البلي ستيشن والتركيز على دراستهم مثلاً.
  • تناقض وجود الإرادة الحرة والخطة الإلهية الحكيمة السرية، فكيف يمكن أن نتخيل أن يضع هذا الإله خطة دون أي تأثير على أي إرادة حرة من مخلوقاته؟

النقاش في الإرادة الحرة نقاش قديم وجاء تحت عناوين مختلفة منها على سبيل المثال الجبر والإختيار، وأيضا سماه البعض بالتخيير والتسيير…ألخ. وهذه الإشكالية لاتخدم المؤمنيين بأي صورةٍ كانت، فلو أقر المؤمن بوجود حرية الإختيار لتناقض ذلك مع علم الإله المطلق، فالعالم قادر والقادر عالم. بل أن فرضية الحكمة الإلهية والخطة السرية وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم، كل ذلك قد يضيف إفتراض آخر لمعضلة أبيقور الرباعية ويحولها بالتالي إلى خمساية الشر (QUINDELIMMA) وهذا الإفتراض هو أن الإله يريد الشر ولايمكنه إزالته، بالتالي يسقط الإله بفخ خطته الحكيمة السرية، ويتحول بعد ذلك من (واجب الوجود) الى مجرد ممكن وجود ضمن سلسلة ممكنات الوجود (بحسب الأطروحات الإبراهيمية). وهذا الطرح قد يقترب شيئاً ما مما كتبته أعلاه من نظريتي الشخصية من (أن ما استحال تعريفه، إستحال تصوره. وما استحال تصوره إستحال فرضه).        

أقول، أن الإشكالية الكبرى لدى الأديان الإبراهيمية هي محاولة إسقاط الإيمان بالمجرد على إدراكاتنا المادية، وهذان لايمكنهما الإلتقاء يا سادة. فمالم تخضع الاطروحة الدينية للدليل العلمي، لن تصل الى مستوى عقولنا وسنراها دائماً على أنها لا أكثر من مجموعة من الخرافات والدجل. فالله عندي بشكل شخصي لايعدو أن يكون طائر عنقاء، أو تنين. (راجع ما كتبته في بداية مشوار التغيير بعنوان كذب النبي) فكما لايمكن لأي شخص أن يثبت وجود طائر العنقاء أو التنانين فأيضاً لايمكن لأي شخص أن يثبت وجود الله  مستخدماً نفس الطريقة العقيمة التي تستخدم لإثبات الخرافات. وسؤالنا دائماً هو لماذا كل هذا الإختفاء من الإله؟ فهو محتجب عن أي طريقة لإثباته عدى (الإيمان الأجوف).

وأخيراً دعوني أختم هذا الجزء بإقتباسين، الأول ما قاله توماس أديسون، حيث قال في مقابله صحفية في (Columbian magazine)

I have never seen the slightest scientific proof of the religious theories of heaven and hell, of future life for individuals, or of a personal God… I cannot accept as final any theory which is not provable. The theories of the theologians cannot be proved.

الترجمة:

لم أر أبدًا أدنى دليل علمي على النظريات الدينية عن الجنة والجحيم ، أو الحياة المستقبلية للأفراد ، أو لإله شخصي … لا يمكنني قبول بشكل نهائي أي نظرية غير قابلة للإثبات. لا يمكن إثبات نظريات اللاهوتيين.

والإقتباس الثاني هو ما كتبه تشارلس شتاينميتز الرياضي والمهندس الأمريكي/ الألماني

In the realm of science all attempts to find any evidence of supernatural beings, of metaphysical conceptions, as God, immortality, infinity, etc., thus have failed, and if we are honest, we must confess that in science there exists no god, no immortality, no soul, or mind as distinct from the body.

الترجمة

في مملكة العلم ، فشلت جميع المحاولات للعثور على أي دليل على وجود كائنات خارقة للطبيعة ، على المفاهيم الميتافيزيقية ، مثل الله ، والخلود ، واللانهاية ، وما إلى ذلك ، وإذا كنا صادقين ، فيجب أن نعترف بأنه لا يوجد إله في العلم ، لا خلود ولا روح ولا عقل متميز عن الجسد.