قرون طويلة والإسلام يعيش حالة من الفشل والإرهاق، فمنذ وفاة مؤسسه انتهى الإسلام نظرياً وعملياً، وتحول إلى صراع داخلي عنيف، رغم أن جميع هؤلاء المتصارعين لم يتوقفوا عن طموحاتهم بتوسيع رقعتهم الجغرافية تحت عنوان خرافتهم المقدسة.
ولكن على الأرض وخلف الكواليس، الصراع كان غاية في العنف والدموية. بل أنه صنع بذلك مسوخاً (زومبي) سنيةً وشيعيةً، واللاتي لاتزال تسير على أرجلها بعد أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمن، وهي تزداد قبحاّ يوماً بعد آخر.
لم يكن لمؤسس الإسلام أن يدرك ما سيحلُّ من بعده، فقد ظنَّ أن أتباعه من زوجاته التسع وسباياه الأربع وأهله وأصحابه سيستطيعون المضي على قلب رجلٍ واحد من بعده. لذا قام بصناعة وتهيئة أسباب الفشل التامة لمن يليه، من خلال إصراره على ترك الأمور على ماهي عليه لخوفه من فشل الإنجاز الذي توصل إليه.
فراعي الأغنام في مكة لم يكن ليحلم في يومٍ ما أن يصل الحال به لما وصل إليه، فالجزيرة العربية بأسرها تتبعه، وهو الآن يتحدى ملوك العالم شرقاً وغرباً، فُرسها ورومها. وألّف في كتابه ما يدعم ذلك من إصداره لحكمه الأبدي من أنه خاتم أنبياء خرافته، وأن من جاء بدينٍ آخر غير الإسلام فلن يستطيع المرور إلى جنة الجنس والولدان المخلّدين والسُكر الأبدي.
راعي أغنام مكة خسر كل شئ حينما وصل به المطاف إلى فراش موته، وأراد أن يكتب وصيته، وما كان لأتباعه إلا أن يقولوا عنه “أتركوه فإنه يهجر”، أتركوه فإنه يخرّف، أتركوه لأنه في لحظات حماقة جديدة. فغضب الراعي وطردهم من بيته.
أدرك الراعي حينها أنّه لم يعد راعياً، وأنّ من يحيطون به يحملون سكاكينهم وهم يرددون بسم الله والله أكبر.
أدرك الراعي حينها أن الأغنام إستأسدت عليه، ورأى خطيئته تتجسد أمام عينيه، فقد نسي الراعي أول دروس الرعي، فالأغنام بحاجة دائمة إلى كلبٍ أمين، يعوي عليها ويسيرها بأتجاه أوامر سيده.
أدرك الراعي في تلك اللحظة جسامة فشله فقرر طردهم والموت بحسرته على ما رآه في ذلك اليوم، فقد أدرك بوضوح أنهم لن يستمعوا إليه بعد الان، وأن وجوده بينهم أصبح غير مرغوبٍ فيه. ولسان حالهم يقول: “نحن لسنا بحاجة إليك، فقد حان الوقت لتغادرنا”.
إنّ أجلَّ لحظات الإنسان تلك التي يقترب بها من موته ويرى أحبائه يحيطون به، ويغمرونه بنظرات الحبِّ، وإبتسامات الحزن، ودموع الإشتياق.
مات راعي مكة كما تموت أغنامه، بلا شفقة ولا رحمة، بلا محبين ولا من يحيط به سوى من يريد أكله. فالرعاة هم أعدى أعداء أغنامهم.
وما أن مرض الراعي حتى إجتمعت أغنامه وقررت انتخاب راعٍ جديد قبل أن يقوموا حتى بدفن راعيهم السابق وإقامة بعض مراسم العزاء عليه. فقد تركوا شيخهم ينازع لحظاته الأخيرة وحيداً في أحضان زوجته الصغيرة الشابة، وذهبوا لانتخاب خروف جديد ليخلف الراعي المؤسس.
مات الراعي تاركاً أغنامه تحمل عصاه التي كان يهشّهم بها طوال سنين رعيه إياهم. مات وهو يرى كل أتباعه يحدّون سكاكينهم ويرددون بسم الله والله أكبر ليقتل أحدهم الاخر، فيبدوأ صراعاً أبدياً. فطالما كان هناك عصاً، وبعض أغنام، سيأتي كبش كبير ليحمل تلك العصا ويهشّ بها باقي الاغنام. تلك الاغنام التي تحمل معها سكاكينها دائماً مبسملةً، مكبرةً كل يوم. مجاهدةً، مناضلةً كل يوم. آكلةً، مأكولةً كل يوم. ناحرةً، منحورةً، منتحرةً كل يوم. صوفيةً، شيعيةً، سنيةً كل يوم. بدريةً، قريظيةً، قاعديةً، داعشيةً، خمينيةً كل يوم.
الإسلام نُحِرَ وذُبِحَ يوم الخميس الاخير قبل وفاة راعيه. فالراعي مات قبل أن يترك كلباً يعوي على أغنامه من بعده. ولايزال المسلمون ينحرون حتى يدركوا (إن كانوا سيدركوا) أنهم يأكلون في الميت منذ أكثر من اربعة عشر قرناً.
قرون طويلة والأغنام تتزاحم لحضور ومشاهدةِ وإكمال تلك الحروب التي لا معنى لها سوى الغباء. حروبٌ تأسست وتسير بأيدي مجموعة من الجهلة وقارئي الفنجان ودراويش الجوع العقلي والنفسي.
ستبقى تلك الحروب أبديةً لامتناهية، سخيةً بدماء الأضحيات، ودماء المضحين، بين قاتلٍ ومقتولٍ وإنتحاريٍ. خراف الموت لن تعيَ يوماً أن راعيها قاتلُها، وأن إلهها خرافتُها، وأن مقدّسها قد أنجس عقولهم وخدّر أعينهم.
فيومٌ للراعي، وآخرٌ لابن عمه. ويومٌ للصدّيق، وأخر لإبنته. يومٌ يأكلون الأكباد، وآخرٌ تحمل رؤوسهم. ويومٌ لنصر الله، وآخر لشيخ الأزهر.
ستبقى بسم الله، والله أكبر تسير وتقتل وتنحر كل يوم حتى يدرك أغنامها أنهم ميّتون. ستبقى بسم الله والله اكبر تنخر في جسد التاريخ حتى يثور الجميع مدركين أنهم ليسوا أغناماً، وأنهم ليسوا بحاجة الى راعٍ.
ستبقى بسم الله والله أكبر خنجراً يحزُّ رقبة الخراف حتى يدركوا أن من يقوم بذبحهم ليس إلا أياديهم الجاهلة، الخاضعة، المطيعة، الذليلة. ستبقى تلك الكلمات تقتلنا حتى يرى (الزومبي) الشمس فتحرقهم ويتلاشى بذلك كابوس خرافة راعي مكة.
شمسُ العلم والفلسفة، شمسُ الإنسانية والحضارة، شمسُ العقل والقلب، ولكن الشمس لم ولا ولن تغيب، فالخراف فقط هم من يغمضون أعينهم، ويستسلمون لسكين راعيهم، مستغفرين مسبحين بحمد خرافتهم، بانتظار لعبة القمار الكبرى، والتي خسروها ويخسروها كل يوم.