ناهض حتّر، وسلاسل طويلة من الأقام التي تمت تصفيتها بإيعازات مقدسة قادمة من سماء الشرق الأوسط.
كيف تمّ ذلك؟! ومن هو الرأس المخطط والمدبر لعمليات الإغتيال هذه؟
لم تجرِ هذه التدبيرات في غرفٍ مظلمةٍ مطلقاً. ولم يختفِ مجرموها من وجه العدالة. بل تفاخروا بنتاجهم وتدبيراتهم بشكل كبير وكأن القاتل هنا قدّم نفسه على مذبح التقديس والتضحية في سبيل “خرافة” عمياء ضعيفة، لم تستطع أن تحمي نفسها من قلمٍ هنا أو قلمٍ هناك.
القتلة يعملون في وضح النهار وأمام أعين الجميع، بل ولهم منابرهم الإعلامية المعلنة، سواء على الشاشات أو مواقع التواصل أو حتى في الشوارع العامة وفي المساجد.
رياض عبد الله و عبد الشافي وابو العلا عبد ربه وكل قتلة الفكر والأقلام، الذين يرون حبال المشانق طرق لجنان خرافاتهم، كل هؤلاء لم يقرؤوا شيئاً لتلك الأقام أكثر من قراءات الكره الأعمى الذي أسسه مفتيهم الكبير شيخ يثرب قبل اكثر من 14 قرناً. فلن تجد من يؤمن بالخرافة واليوم الاخر يواد من حادَ تلك الخرافة، حتى لو كان أباه او أخاه. ووعدهم بدخول الجنة بعد أن يقوموا بتنفيذ تلك الإلتزامات. إذن ببساطة قاتل فودة حينما قال ان حبل المشنقة طريقه الى الجنة لم يكن ليتكلم بعيداً عن مضامين شيخه. لا بل إن رياض وشلته كانوا أرحم مما جاء به شيخهم، فشيخهم أمرهم بتقطيع أوصال خصومه من خلاف. نحن أمام تدبير وتخطيط تمَ منذ أكثرِ من 14 قرناً مع سبق الإصرار والترصد.
هل توجد أية إستثناءات حدثت هنا أو هناك؟
نعم ياسادة فتلك الشريعة ليست أكثر من سياسة بعيدة كل البعد عن وجود قداسة روحية داخلها، فنراه يعفُ عن أخطر أعداءه وهو أبو سفيان ولكنه يأمر بقتل قلم وجه إليه هجاءً يوماً ما حتى ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة. لم يكن ثعلب الصحراء ليقتل أبا سفيان وهند وغيرهم لإنه بحاجة ماسة لدعمهم في تلك اللحظة لتأمين البلاد بأكملها له. ولم يكن مهتماً أن يكون إسلامهم حقيقياً أو نفاقاً وتقيةً، فكل همّه ألان أن يضيف مكة إلى قائمة إنجازاته وفتوحاته.
نحن أمام غرفة عمليات تم تأسيسها في إحدى حواري يثرب في قلب صحراء العرب. لم تسمح تلك الغرفة لإي إعتراض ذو قيمة فكرية، وقررت أن تتعامل مع الإعتراضات العسكرية كل على حدة، وحسب الحاجة والضرورة. من هنا جاء قرار إغتيال ابن خطل وكعب بن الاشرف وصولاً الى فودة وعبد القادر علولة، وفتوى قتل مؤسسي تلفزيون العقل الحر انتهاءً باغتيال ناهض حتّر.
الدروس المستخلصة بعد اكثر من الف وربعمائة عام والتي تدل على عمق التخلف الذي نعانيه نحن في الحركات العلمانية، هو أن هؤلاء المجرمين لن يتوقفوا عن هذا الاسلوب الذي اكتسب قدسية خرافية في عقولٍ تعلمت وتدربت وشاخت على رفض الاخر. ولكنّهم كشيخهم لن يخجلوا من مدِ يدهم لآكلي أكبادهم وقاطعي رؤوسهم وشعراء لعبت هاشم بالملك، لو علموا أنّ هناك قوة ومصلحة من التحالف معهم. فمواقفهم ليست أكثر من مواقف فرض للقوة وللعضلات وليس مواقف مبنية على مبدأ ثابت لا يقبل الخطأ ولايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ما المطلوب منا نحن؟! فنحن لن نكون منهم مطلقاً، فهل هذا يعني أننا سنبقى على نفس الحال من التشرذم وإبتعادنا خلف الأنا الحمقاء؟! التي لم تصل بنا إلا لحالٍ أكثر سوءً.
العلمانية الناطقة بالعربية الان على مفترق طرق، إما البقاء الأعمى أمام خفافيش النهار وانتظار “رياض عبد الله” و “أبو العلا عبد ربه” آخر. أو العمل بشكل مؤسسي موحد لتوحيد جهودنا جميعاً بإتجاه واحد يريهم قوتنا وأثرنا على الشارع … ببساطة يا سادة نحن أمام ناس تخاف ولا تستحي. مؤسسة العقل الحر لاتزال تمدُ يدها لكل علماني مهتم بعالم أكثر سلاماً وأكثرُ أمناً، عالمٌ حرٌ لامعنى لأيِ عبوديةٍ فيه. وهذا هو مشروعنا منذ البداية وهو توحيد جهود العلمانيين الناطقين بالعربية بالدرجة الأولى لبناء أوطاننا من جديد وتخليصها من عبودية أحتلال ثعالب الصحراء.